الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          [ ص: 502 ] 100 - فصل

                          في أحكام ذبائحهم .

                          قال تعالى : وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم .

                          ولم يختلف السلف أن المراد بذلك الذبائح .

                          قال البخاري : قال ابن عباس : طعامهم ذبائحهم .

                          وكذلك قال ابن مسعود ومجاهد وإبراهيم وقتادة والحسن وغيرهم .

                          [ ص: 503 ] وقال أحمد بن الحسن الترمذي : سألت أبا عبد الله عن ذبائح أهل الكتاب فقال : لا بأس بها ، فقلت : إلى أي شيء تذهب فيه ؟ قال : حديث عبد الله بن مغفل يوم فتح خيبر : " ولي جراب من شحم " الحديث .

                          قال إسحاق : أجاد .

                          وقال حنبل : سمعت أبا عبد الله يقول : تؤكل ذبيحة اليهودي [ ص: 504 ] والنصراني .

                          وقال إسحاق بن منصور : قال أبو عبد الله : لا بأس أن يذبح أهل الكتاب للمسلمين غير النسيكة .

                          وقال حنبل : سمعت أبا عبد الله قال : لا بأس بذبيحة أهل الكتاب إذا أهلوا لله وسموا عليه ، قال تعالى : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ، [ ص: 505 ] والمسلم في قلبه اسم الله ، وما أهل لغير الله به مما ذبحوا لكنائسهم وأعيادهم يجتنب ذلك ، وأهل الكتاب يسمون على ذبائحهم أحب إلي .

                          وقال مهنا بن يحيى : سألت أبا عبد الله عن ذبائح السامرة ، قال : تؤكل ، هم من أهل الكتاب .

                          وقال عبد الله بن أحمد : قال أبي : لا بأس بذبائح أهل الحرب إذا كانوا من أهل الكتاب .

                          وقال ابن المنذر : أجمع على هذا كل من يحفظ عنه من أهل العلم .

                          وتفردت الشيعة دون الأمة بتحريم ذبائحهم ، واحتجوا بأن [ ص: 506 ] الذكاة الشرعية لم تدركها ، وبأنه إجماع أهل البيت ، وبأن التسمية شرط في الحل ، ولا يعلم أنهم يسمون ، وخبرهم لا يقبل ، وبأنهم لو سموا لم يسموا الله في الحقيقة ; لأنهم غير عارفين بالله .

                          قالوا : والآية مخصوصة بما سوى الذبائح لما ذكرنا من الدليل .

                          وهذا القول مخالف للكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم فلا يلتفت إليه .

                          وأما احتجاجهم بأن الذكاة الشرعية لم تدركها ، فإن أرادوا بالذكاة الشرعية ما أباح الله ورسوله الأكل بها فهذه ذكاة شرعية ، وإن أريد بها ذكاة المسلم لم يلزم من نفيها نفي الحل ، ويصير الدليل هكذا : لأن ذكاة المسلم لم تدركها ، فغيروا العبارة وقالوا : لم تدركها الذكاة الشرعية .

                          وأما قولهم : إنه إجماع أهل البيت ، فكذب على أهل البيت .

                          وللشيعة طريقة معروفة ، يقولون لكل ما تفردوا به عن جماعة المسلمين : هذا إجماع أهل البيت وهذا عبد الله بن عباس عالم أهل البيت يقول : كلوا من ذبائح بني تغلب ، وتزوجوا من نسائهم فإن الله يقول في كتابه : ومن يتولهم منكم فإنه منهم ، فلو لم يكونوا منهم إلا [ ص: 507 ] بالولاية لكانوا منهم .

                          قال سليمان بن حرب : ثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن عكرمة عنه .

                          وإنما دخلت عليهم الشبهة من جهة أن عليا رضي الله عنه كان يكره ذبائح نصارى بني تغلب .

                          [ ص: 508 ] [ ص: 509 ] قال محمد بن موسى : قلت لأبي عبد الله : نصارى بني تغلب تؤكل ذبائحهم ؟ فقال : فيما أحسب ، هذا عن علي : لا تؤكل ذبائحهم بإسناد صحيح .

                          وقال إسحاق بن منصور : سألت أحمد عن ذبائح نصارى بني تغلب ، فقال : ما أثبته عن علي .

                          وهذه مسألة تنازع فيها السلف والخلف وفيها عن أحمد روايتان . [ ص: 510 ] وقال الأثرم : قلت لأحمد : ذبائح نصارى العرب ، ما ترى فيها ؟ بني تغلب وغيرهم من العرب ، فقال : أما علي فكرهها وقال : إنهم لم يتمسكوا من دينهم إلا بشرب الخمر ، وابن عباس رخص فيها ، وقد تقدمت المسألة .

                          وأما قولهم : إن التسمية شرط في الحل ، فلعمر الله إنها لشرط بكتاب الله وسنة رسوله ، وأهل الكتاب وغيرهم فيها سواء ، فلا يؤكل متروك التسمية سواء ذبحه مسلم أو كتابي ، لبضعة عشر دليلا مذكورة في غير هذا الموضع .

                          [ ص: 511 ] [ ص: 512 ] وأما قولهم : إنه لا يعلم هل سمي أم لا ، فهذا لا يدل على التحريم ; لأن الشرط متى شق العلم به وكان فيه أعظم الحرج سقط اعتبار العلم به كذبيحة المسلم ، فإن التسمية شرط فيها ولا يعتبر العلم بذلك ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قيل له : إن ناسا يأتوننا باللحم لا ندري أسموا الله أم لا ، فقال : سموا أنتم وكلوا .

                          وقولهم : إن قوله غير مقبول لو صح ذلك لم يجز بيعه ولا شراؤه ولا معاملته ولا أكل طعامه ; لأنه إنما يستند إلى قوله فيه .

                          وقولهم : إنهم لا يسمون الله لأنهم غير عارفين به ، حجة في غاية الفساد ؛ فإنهم يعرفون أنه خالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم وإن جهلوا بعض صفاته أو أكثرها ، فالمعرفة التامة ليست بشرط لتعذرها ، وأصل المعرفة معهم .

                          وأما تخصيص الآية بما عدا الذبائح فمخالف لإجماع الصحابة ومن بعدهم ، وللسنة الصحيحة الصريحة ومستلزم لحملها على ما لا فائدة فيه ، فإن الفاكهة والحبوب ونحوها لا تسمى من طعامهم ، بخلاف ذبائحهم ، ففهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجماعة المسلمين بعدهم أولى من فهم " الرافضة " ، وبالله التوفيق .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية