الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3608 ] (66) سورة التحريم مدنية

                                                                                                                                                                                                                                      وآياتها اثنتا عشرة

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم (1) قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم (2) وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير (3) إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير (4) عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا (5) يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون (6) يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون (7) يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير (8) يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير (9) ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا [ ص: 3609 ] .وقيل ادخلا النار مع الداخلين (10) وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين (11) ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين (12)

                                                                                                                                                                                                                                      عند ما جرى قدر الله أن يجعل الإسلام هو الرسالة الأخيرة; وأن يجعل منهجه هو المنهاج الباقي إلى آخر الخليقة; وأن تجري حياة المؤمنين به وفق الناموس الكوني العام; وأن يكون هذا الدين هو الذي يقود حياة البشرية ويهيمن على نشاطها في كل ميدان..

                                                                                                                                                                                                                                      عندما جرى قدر الله بهذا كله جعل الله هذا المنهج في هذه الصورة، شاملا كاملا متكاملا، يلبي كل طاقات البشر واستعداداتهم، في الوقت الذي يرفع هذه الطاقات وهذه الاستعدادات إلى الأفق اللائق بخليفة الله في الأرض، وبالكائن الذي كرمه الله على كثير من عباده، ونفخ فيه من روحه.

                                                                                                                                                                                                                                      وجعل طبيعة هذا الدين الانطلاق بالحياة إلى الأمام: نموا وتكاثرا، ورفعة وتطهرا، في آن واحد. فلم يعطل طاقة بانية، ولم يكبت استعدادا نافعا. بل نشط الطاقات وأيقظ الاستعدادات وفي الوقت ذاته حافظ على توازن حركة الاندفاع إلى الأمام مع حركة الارتفاع إلى الأفق الكريم، الذي يهيئ الأرواح في الدنيا لمستوى نعيم الآخرة، ويعد المخلوق الفاني في الأرض للحياة الباقية في دار الخلود.

                                                                                                                                                                                                                                      وعند ما جرى قدر الله أن يجعل طبيعة هذه العقيدة هكذا جرى كذلك باختيار رسولها - صلى الله عليه وسلم - إنسانا تتمثل فيه هذه العقيدة بكل خصائصها، وتتجسم فيه بكل حقيقتها، ويكون هو بذاته وبحياته الترجمة الصحيحة الكاملة لطبيعتها واتجاهها. إنسانا قد اكتملت طاقاته الإنسانية كلها. ضليع التكوين الجسدي، قوي البنية، سليم البناء، صحيح الحواس، يقظ الحس، يتذوق المحسوسات تذوقا كاملا سليما. وهو في ذات الوقت ضخم العاطفة، حي الطبع، سليم الحساسية، يتذوق الجمال، متفتح للتلقي والاستجابة. وهو في الوقت ذاته كبير العقل، واسع الفكر، فسيح الأفق، قوي الإرادة، يملك نفسه ولا تملكه.. ثم هو بعد ذلك كله.. النبي.. الذي تشرق روحه بالنور الكلي، والذي تطيق روحه الإسراء والمعراج، والذي ينادى من السماء، والذي يرى نور ربه، والذي تتصل حقيقته بحقيقة كل شيء في الوجود من وراء الأشكال والظواهر، فيسلم عليه الحصى والحجر، ويحن له الجذع، ويرتجف به أحد - الجبل..! .. ثم تتوازن في شخصيته هذه الطاقات كلها. فإذا هو التوازن المقابل لتوازن العقيدة التي اختير لها..

                                                                                                                                                                                                                                      ثم يجعل الله حياته الخاصة والعامة كتابا مفتوحا لأمته وللبشرية كلها، تقرأ فيه صور هذه العقيدة، وترى فيه تطبيقاتها الواقعية. ومن ثم لا يجعل فيها سرا مخبوءا، ولا سترا مطويا. بل يعرض جوانب كثيرة منها في القرآن، ويكشف منها ما يطوى عادة عن الناس في حياة الإنسان العادي. حتى مواضع الضعف البشري الذي لا حيلة فيه لبشر. بل إن الإنسان ليكاد يلمح القصد في كشف هذه المواضع في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - للناس!

                                                                                                                                                                                                                                      إنه ليس له في نفسه شيء خاص. فهو لهذه الدعوة كله. فعلام يختبئ جانب من حياته - صلى الله عليه [ ص: 3610 ] وسلم - أو يخبأ؟ إن حياته هي المشهد المنظور القريب الممكن التطبيق من هذه العقيدة; وقد جاء - صلى الله عليه وسلم - ليعرضها للناس في شخصه، وفي حياته، كما يعرضها بلسانه وتوجيهه. ولهذا خلق. ولهذا جاء.

                                                                                                                                                                                                                                      ولقد حفظ عنه أصحابه - صلى الله عليه وسلم - ونقلوا للناس بعدهم - جزاهم الله خيرا - أدق تفصيلات هذه الحياة. فلم تبق صغيرة ولا كبيرة حتى في حياته اليومية العادية، لم تسجل ولم تنقل.. وكان هذا طرفا من قدر الله في تسجيل حياة هذا الرسول، أو تسجيل دقائق هذه العقيدة مطبقة في حياة الرسول. فكان هذا إلى جانب ما سجله القرآن الكريم من هذه الحياة السجل الباقي للبشرية إلى نهاية الحياة.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه السورة تعرض في صدرها صفحة من الحياة البيتية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصورة من الانفعالات والاستجابات الإنسانية بين بعض نسائه وبعض، وبينهن وبينه! وانعكاس هذه الانفعالات والاستجابات في حياته - صلى الله عليه وسلم - وفي حياة الجماعة المسلمة كذلك.. ثم في التوجيهات العامة للأمة على ضوء ما وقع في بيوت رسول الله وبين أزواجه.

                                                                                                                                                                                                                                      والوقت الذي وقعت فيه الأحداث التي تشير إليها السورة ليس محددا. ولكن بالرجوع إلى الروايات التي جاءت عنه يتأكد أنه بعد زواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من زينب بنت جحش قطعا.

                                                                                                                                                                                                                                      ولعله يحسن أن نذكر هنا ملخصا عن قصة أزواج النبي، وعن حياته البيتية يعين على تصور الحوادث والنصوص التي جاءت بصددها في هذه السورة. ونعتمد في هذا الملخص على ما أثبته الإمام ابن حزم في كتابه: "جوامع السيرة".. وعلى السيرة لابن هشام مع بعض التعليقات السريعة:

                                                                                                                                                                                                                                      أول أزواجه - صلى الله عليه وسلم - خديجة بنت خويلد. تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن خمس وعشرين سنة وقيل ثلاث وعشرون، وسنها - رضي الله عنها - أربعون أو فوق الأربعين، وماتت - رضي الله عنها - قبل الهجرة بثلاث سنوات، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت. وقد تجاوزت سنه الخمسين.

                                                                                                                                                                                                                                      فلما ماتت خديجة تزوج عليه السلام سودة بنت زمعة - رضي الله عنها - ولم يرو أنها ذات جمال ولا شباب. إنما كانت أرملة للسكران بن عمرو بن عبد شمس. كان زوجها من السابقين إلى الإسلام من مهاجري الحبشة. فلما توفي عنها، تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم تزوج عائشة - رضي الله عنها - بنت الصديق أبي بكر - رضي الله عنه وأرضاه - وكانت صغيرة فلم يدخل بها إلا بعد الهجرة. ولم يتزوج بكرا غيرها. وكانت أحب نسائه إليه، وقيل كانت سنها تسع سنوات وبقيت معه تسع سنوات وخمسة أشهر. وتوفي عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم تزوج حفصة بنت عمر - رضي الله عنه وعنها - بعد الهجرة بسنتين وأشهر. تزوجها ثيبا. بعد ما عرضها أبوها على أبي بكر وعلى عثمان فلم يستجيبا. فوعده النبي خيرا منهما وتزوجها!

                                                                                                                                                                                                                                      ثم تزوج زينب بنت خزيمة. وكان زوجها الأول عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب قد قتل يوم بدر. وتوفيت زينب هذه في حياته - صلى الله عليه وسلم - . وقيل كان زوجها قبل النبي هو عبد الله بن جحش الأسدي المستشهد يوم أحد. ولعل هذا هو الأقرب.

                                                                                                                                                                                                                                      وتزوج أم سلمة. وكانت قبله زوجا لأبي سلمة، الذي جرح في أحد، وظل جرحه يعاوده حتى مات به. فتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرملته. وضم إليه عيالها من أبي سلمة. [ ص: 3611 ] وتزوج زينب بنت جحش. بعد أن زوجها لمولاه ومتبناه زيد بن حارثة فلم تستقم حياتهما فطلقها. وقد عرضنا قصتها في سورة الأحزاب في الجزء الثاني والعشرين، وكانت جميلة وضيئة. وهي التي كانت عائشة - رضي الله عنها - تحس أنها تساميها، لنسبها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي بنت عمته، ولوضاءتها!

                                                                                                                                                                                                                                      ثم تزوج جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق بعد غزوة بني المصطلق في أواسط السنة السادسة الهجرية. قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها. قالت: "لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في أسهم الثابت ابن قيس بن الشماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسها، وكانت امرأة حلوة مليحة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تستعينه في كتابتها. قالت عائشة: فو الله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها! وعرفت أنه سيرى منها - صلى الله عليه وسلم - ما رأيت، فدخلت عليه فقالت: يا رسول الله. أنا جويرية بنت الحارث بن أبي صرار سيد قومه. وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس - أو لابن عم له - فكاتبته على نفسي، فجئت أستعينك على كتابتي. قال: "فهل لك في خير من ذلك؟" قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: "أقضي عنك كتابتك وأتزوجك؟" قالت: نعم يا رسول الله. قال: "قد فعلت"..

                                                                                                                                                                                                                                      ثم تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان بعد الحديبية. وكانت مهاجرة مسلمة في بلاد الحبشة، فارتد زوجها عبيد الله بن جحش إلى النصرانية وتركها. فخطبها النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمهرها عنه نجاشي الحبشة. وجاءت من هناك إلى المدينة.

                                                                                                                                                                                                                                      وتزوج إثر فتح خيبر بعد الحديبية صفية بنت حيي بن أخطب زعيم بني النضير. وكانت زوجة لكنانة ابن أبي الحقيق وهو من زعماء اليهود أيضا. ويذكر ابن إسحاق في قصة زواجه - صلى الله عليه وسلم - منها: أنه أتي بها وبأخرى معها من السبي، فمر بهما بلال - رضي الله عنه - على قتلى من قتلى اليهود فلما رأتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها. فقال - صلى الله عليه وسلم - : "اعزبوا عني هذه الشيطانة" وأمر بصفية فحيزت خلفه، وألقى عليها رداءه فعرف المسلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اصطفاها لنفسه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبلال - فيما بلغني - حين رأى بتلك اليهودية ما رأى: "أنزعت منك الرحمة يا بلال؟ حين تمر بامرأتين على قتلى رجالهما؟".

                                                                                                                                                                                                                                      ثم تزوج ميمونة بنت الحارث بن حزن. وهي خالة خالد بن الوليد وعبد الله بن عباس. وكانت قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند أبي رهم بن عبد العزى. وقيل حويطب بن عبد العزى. وهي آخر من تزوج صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وهكذا ترى أن لكل زوجة من أزواجه - صلى الله عليه وسلم - قصة وسببا في زواجه منها. وهن فيمن عدا زينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث، لم يكن شواب ولا ممن يرغب فيهن الرجال لجمال. وكانت عائشة - رضي الله عنها - هي أحب نسائه إليه. وحتى هاتان اللتان عرف عنهما الجمال والشباب كان هناك عامل نفسي وإنساني آخر - إلى جانب جاذبيتهن - ولست أحاول أن أنفي عنصر الجاذبية الذي لحظته عائشة في جويرية مثلا، ولا عنصر الجمال الذي عرفت به زينب. فلا حاجة أبدا إلى نفي مثل هذه العناصر الإنسانية من حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وليست هذه العناصر موضع اتهام يدفعه الأنصار عن نبيهم. إذا حلا لأعدائه أن يتهموه! فقد اختير ليكون إنسانا. ولكن إنسانا رفيعا. وهكذا كان. وهكذا كانت دوافعه في [ ص: 3612 ] حياته وفي أزواجه - صلى الله عليه وسلم - على اختلاف الدوافع والأسباب.

                                                                                                                                                                                                                                      ولقد عاش في بيته مع أزواجه بشرا رسولا كما خلقه الله، وكما أمره أن يقول: "قل: سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا؟"..

                                                                                                                                                                                                                                      استمتع بأزواجه وأمتعهن، كما قالت عائشة - رضي الله عنها - عنه: "كان إذا خلا بنسائه ألين الناس. وأكرم الناس ضحاكا بساما".. ولكنه إنما كان يستمتع بهن ويمتعهن من ذات نفسه، ومن فيض قلبه، ومن حسن أدبه، ومن كريم معاملته. فأما حياتهن المادية فكانت في غالبها كفافا حتى بعد أن فتحت له الفتوح وتبحبح المسلمون بالغنائم والفيء. وقد سبق في سورة الأحزاب قصة طلبهن الوسعة في النفقة، وما أعقب هذا الطلب من أزمة، انتهت بتخييرهن بين الله ورسوله والدار الآخرة، أو المتاع والتسريح من عصمته - صلى الله عليه وسلم - فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولكن الحياة في جو النبوة في بيوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم تكن لتقضي على المشاعر البشرية، والهواتف البشرية في نفوس أزواجه - رضي الله عنهن - فقد كان يبدر أو يشجر بينهن، ما لا بد أن يشجر في قلوب النساء في مثل هذه الحال. وقد سلف في رواية ابن إسحاق عن عائشة - رضي الله عنها - أنها كرهت جويرية بمجرد رؤيتها لما توقعته من استملاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها إذا رآها. وصح ما توقعته فعلا! وكذلك روت هي نفسها حادثا لها مع صفية. قالت. "قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا". قال الراوي: تعني قصيرة! فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته" .. كذلك روت عن نفسها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين نزلت آية التخيير التي في الأحزاب، فاختارت هي الله ورسوله والدار الآخرة، طلبت إليه ألا يخبر زوجاته عن اختيارها! - وظاهر لماذا طلبت هذا! - فقال - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله تعالى لم يبعثني معنفا، ولكن بعثني معلما ميسرا. لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها..".

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه الوقائع التي روتها عائشة - رضي الله عنها - عن نفسها - بدافع من صدقها ولتربيتها الإسلامية الناصعة - ليست إلا أمثلة لغيرها تصور هذا الجو الإنساني الذي لا بد منه في مثل هذه الحياة. كما تصور كيف كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يؤدي رسالته بالتربية والتعلية في بيته كما يؤديها في أمته سواء.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا الحادث الذي نزل بشأنه صدر هذه السورة هو واحد من تلك الأمثلة التي كانت تقع في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي حياة أزواجه. وقد وردت بشأنه روايات متعددة ومختلفة سنعرض لها عند استعراض النصوص القرآنية في السورة.

                                                                                                                                                                                                                                      وبمناسبة هذا الحادث وما ورد فيه من توجيهات. وبخاصة دعوة الزوجتين المتآمرتين فيه إلى التوبة. أعقبه في السورة دعوة إلى التوبة وإلى قيام أصحاب البيوت على بيوتهم بالتربية، ووقاية أنفسهم وأهليهم من النار.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية