الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 335 ] المسألة الرابعة

                ما لا يتم الواجب إلا به ، إما غير مقدور للمكلف ، كالقدرة واليد في الكتابة ، وحضور الإمام والعدد في الجمعة ، فليس بواجب ، إلا على تكليف المحال . أو مقدور ، فإن كان شرطا ، كالطهارة للصلاة ، والسعي إلى الجمعة ، فهو واجب إن لم يصرح بعدم إيجابه ، وإلا لم يكن شرطا .

                التالي السابق


                " المسألة الرابعة "

                من مسائل الواجب : فيما لا يتم الواجب إلا به ، وقبل الشروع في الكلام على مسألة " المختصر " ، نذكر تحقيقا ، وهو أن ما يتوقف عليه وجوب الواجب ، فلا يجب إجماعا ، سواء كان سببا ، أو شرطا ، أو انتفاء مانع .

                فالسبب ، كالنصاب ، يتوقف عليه وجوب الزكاة ، فلا يجب تحصيله على المكلف ، لتجب عليه الزكاة .

                والشرط ، كالإقامة ، هي شرط لوجوب أداء الصوم ، فلا يجب تحصيلها إذا عرض مقتضى السفر ، ليجب عليه فعل الصوم .

                والمانع ، كالدين ، لا يجب نفيه لتجب الزكاة .

                وأما ما يتوقف عليه إيقاع الواجب ، فالنزاع في هذه المسألة فيه .

                قوله : " ما لا يتم الواجب إلا به إما غير مقدور للمكلف " إلى آخره ، معناه : أن ما لا يتم الواجب إلا به ضربان :

                أحدهما : غير مقدور للمكلف ، أي : ليس في قدرته ووسعه وطاقته تحصيله ، ولا هو إليه ، كالقدرة واليد في الكتابة ، فإنهما شرط فيها ، وهما مخلوقان لله تعالى [ ص: 336 ] والمكلف ، لا قدرة له على إيجادهما . وحضور الإمام والعدد المشترط للجمعة في الجمعة ، فإنهما شرط لها ، وليس إلى آحاد المكلفين بالجمعة إحضار الخطيب ليصلي الجمعة ، ولا إحضار آحاد الناس ليتم بهم العدد ، فهذا الضرب غير واجب إلا على القول بتكليف المحال ، لأنه فرد من أفراده ، لأن من قيل له : أوجبنا عليك أن تعمل لنفسك قدرة ويدا ، ثم تكتب ، فقد كلف محالا بالنسبة إليه ، وهذا الضرب هو من قبيل الشروط التي لا يجب تحصيلها كما سبق ، لأن اليد والقدرة شرطان لصحة الكتابة عقلا ، وحضور الإمام والعدد شرط لصحة الجمعة شرعا .

                الضرب الثاني : ما هو مقدور للمكلف ، ثم هو إما أن يكون شرطا لوقوع الفعل ، أو غير شرط ، فإن كان شرطا كالطهارة وسائر الشروط للصلاة ، وكالسعي إلى الجمعة ، فإن صرح بعدم إيجابه ، كقوله : صل ، ولا أوجب عليك الوضوء ، لم يجب عملا بموجب التصريح ، وإن صرح بإيجابه ، وجب لذلك ، وإن لم يصرح بإيجاب ولا عدمه ، بل أطلق ، وجب أيضا عندنا ، وهو قول الأشعرية والمعتزلة .

                وقال بعض الناس : لا يجب ، وإلى التقسيم المذكور أشرت . فهو واجب إن لم يصرح بعدم إيجابه ، فدخل في ذلك القسمان الأخيران ، وهو ما إذا صرح بالإيجاب أو أطلق .

                قوله : " وإلا لم يكن شرطا " هو دليل الوجوب .

                وتقريره : أن الشرط الذي يتوقف عليه وقوع الواجب لو لم يجب ، لم يكن شرطا للواجب ، لكنه شرط له ، فيكون واجبا .

                أما الملازمة ، فلأن الوجوب من لوازم الشرط ، لأن كل شرط في شيء فهو واجب له . وأما بيان أن هذا المتنازع فيه شرط ، فلأن الفرض أنه شرط ، وإذا كان شرطا ، كان واجبا ، لما بينا من أن الواجب لازم للشرط ، ووجود الملزوم - الذي هو الشرط [ ص: 337 ] هنا - يوجب وجود اللازم - الذي هو الواجب - ، وإلا لم يكن هذا المتنازع فيه شرطا ، والفرض أنه شرط . هذا خلف .

                وتلخيص الدليل : لو لم يكن شرط الفعل واجبا ، لما كان شرطا ، وقد فرضناه شرطا ، هذا تناقض .




                الخدمات العلمية