الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 345 ]

                فرعان

                أحدهما : إذا اشتبهت أخته أو زوجته بأجنبية ، أو ميتة بمذكاة ، حرمتا ، إحداهما بالأصالة ، والأخرى بعارض الاشتباه . وقيل : تباح المذكاة والأجنبية ، لكن يجب الكف عنهما ، وهو تناقض ، إذ لا معنى لتحريمهما إلا وجوب الكف . ولعل هذا القائل ، يعني أن تحريمهما عرضي ، وتحريم الأخريين أصلي ، فالخلاف إذن لفظي .

                التالي السابق


                قوله : " فرعان "

                يعني لمسألة ما لا يتم الواجب إلا به ، وهو في الحقيقة وسيلة إلى الواجب المقصود .

                ثم الوسيلة ، إما أن يتوقف عليها وجود المقصود ، أو وجود معنى في المقصود ، أو متعلق بالمقصود .

                والتوقف في الأول ، إما شرعي ، كتوقف وجود الصلاة على الطهارة ، أو عرفي ، كتوقف وجود صعود السطح على نصب السلم ، أو عقلي ، كتوقف استقبال القبلة أو غيرهما على ترك الاستدبار .

                والثاني : كإيجاب خمس صلوات لتعيين صلاة منسية في نفسها ، أو للقطع بفعلها ، وكالتوقف عند اشتباه النجس بالطاهر ، والميتة بالمذكاة ، والمنكوحة بالأخت ، وكغسل جزء من الرأس مع الوجه ، وإمساك جزء من الليل مع النهار في الصوم تحصيلا للاستيعاب . وهذا الكلام كالمقدمة على هذا الفرع ، لأنه كلي بالنسبة إليه تكميلا لفائدته .

                قوله : " إذا اشتبهت أخته أو زوجته بأجنبية ، أو ميتة بمذكاة حرمتا " يعني الأخت فيما إذا اشتبهت بأجنبية ، لا يجوز أن يعقد عليهما ، والزوجة إذا اشتبهت [ ص: 346 ] بأجنبية ، لا يجوز أن يطأهما ، والمذكاة إذا اشتبهت بالميتة لا يجوز أن يأكلهما ، " إحداهما بالأصالة " وهي الأخت والأجنبية والميتة ، " والأخرى بعارض الاشتباه " وهي الزوجة والمذكاة ، لأن المحرم بالأصالة يجب اجتنابه ، ولا يتم اجتنابه إلا باجتناب ما اشتبه به ، وما لا يتم الواجب إلا به ، فهو واجب ، فاجتناب ما اشتبه بالمحرم بالأصالة واجب .

                " وقيل : تباح المذكاة والأجنبية ، لكن يجب الكف عنهما . وهو تناقض ، إذ لا معنى لتحريمهما إلا وجوب الكف " عنهما ، فقوله : يباحان ويجب الكف عنهما ، كقوله : يباحان ويحرمان .

                قال الشيخ أبو محمد وأبو حامد : وإنما توهم هذا من ظن أن الحل والحرمة وصف ذاتي لهما ، قائم بذاتيهما ، كالسواد والبياض بالأسود والأبيض ، وليس كذلك ، بل الحل والحرمة متعلقان بالفعل ، وهما : الإذن في الفعل ، ووجوب الكف ، وحينئذ يتحقق التناقض .

                قوله : " ولعل هذا القائل " إلى آخره ، هذا محاولة للجمع بين القولين .

                وتقريره : أن قول هذا القائل : يباحان ، ويجب الكف عنهما ، يريد أن تحريمهما - يعني تحريم الأجنبية والمذكاة - عرضي ، أي : بعارض الاشتباه كما سبق ، وهما في نفس الأمر مباحان ، وتحريم الأخريين ، وهما الأخت والميتة ، أصلي ، أي : بالأصالة في نفس الأمر ، بدليل الشرع الأصلي الابتدائي ، " فالخلاف [ ص: 347 ] إذا " أي : على هذا التقرير " لفظي " أي : في اللفظ ، لأن هذا القول صار كالأول ، سواء في أن إحداهما حرمت بالأصالة ، والأخرى بعارض الاشتباه .

                تنبيه : إذا قررنا شيئا ، ثم قلنا : فالحكم إذا كذا ، معناه ، الحكم إذ ذاك ، أو إذ الحال على ما وصف كذا ، فإذا هاهنا مركبة من إذ التي هي ظرف زمن ماض ، ومن جملة بعدها تحقيقا أو تقديرا لكن حذفت الجملة تخفيفا ، وأبدل منها التنوين ، كما في قولهم : حينئذ وساعتئذ وليلتئذ ، والمعنى : حين إذ كان ذلك . وقال الشاعر :


                نهيتك عن طلابك أم عمرو بعافية وأنت إذ صحيح

                أي : وأنت إذ نهيتك صحيح ، وليست " إذا " هذه هي الناصبة للفعل المضارع ، لأن تلك تختص به ، ولذلك عملت فيه ، ولا يعمل إلا ما يختص ، وهذه لا تختص به بل تدخل على الماضي كقوله تعالى : وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما [ النساء : 67 ] ، إذا لأمسكتم خشية الإنفاق [ الإسراء : 100 ] ، إذا لأذقناك ضعف الحياة [ الإسراء : 75 ] ، وعلى الاسم كقولك : إذا كنت ظالما فإذا حكمك في ماض . على أني لولا قول النحاة : أنه لا يعمل إلا ما اختص ، وإذا عاملة في الفعل المستقبل النصب ، فهي مختصة به ، لقلت : إن " إذا " في الموضعين واحدة ، وإن معناه تقييد ما بعدها بزمن أو حال ، لأن معنى قولهم : أنا إذن أكرمك ، وأنا إذن أزورك ، فيقول السامع : إذن أكرمك ، هو معنى قوله : أنا أكرمك زمن ، أو حال ، أو عند زيارتك لي .




                الخدمات العلمية