الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق الرابع والستون والمائتان بين قاعدة المداهنة المحرمة وبين قاعدة المداهنة التي لا تحرم ، وقد تجب )

اعلم أن معنى المداهنة معاملة الناس بما يحبون من القول ومنه قوله تعالى { ودوا لو تدهن فيدهنون } أي هم يودون لو أثنيت على أحوالهم وعباداتهم ، ويقولون لك مثل ذلك فهذه مداهنة حرام ، وكذلك كل من يشكر ظالما على ظلمه أو مبتدعا على بدعته أو مبطلا على إبطاله وباطله فهي مداهنة حرام ؛ لأن ذلك وسيلة لتكثير ذلك الظلم والباطل من أهله ، وروي عن أبي موسى الأشعري أنه كان يقول : إنا لنشكر في وجوه أقوام ، وإن قلوبنا لتلعنهم يريد الظلمة والفسقة الذين يتقى شرهم ، ويتبسم في وجوههم ويشكرون بالكلمات الحقة فإن ما من أحد إلا وفيه صفة تشكر ، ولو كان من أنحس الناس فيقال له ذلك استكفاء لشره فهذا قد يكون مباحا ، وقد يكون واجبا إن كان يتوصل به القائل لدفع ظلم محرم أو محرمات لا تندفع إلا بذلك القول ويكون الحال يقتضي ذلك ، وقد يكون مندوبا إن كان وسيلة لمندوب أو مندوبات ، وقد يكون مكروها إن كان عن ضعف لا ضرورة تتقاضاه بل خور في الطبع أو يكون وسيلة للوقوع في مكروه فانقسمت المداهنة على هذه الأحكام الخمسة الشرعية ، وظهر - حينئذ - الفرق بين المداهنة المحرمة وغير المحرمة ، وقد شاع بين الناس أن المداهنة كلها محرمة ، وليس كذلك بل الأمر كما تقدم تقريره [ ص: 237 ]

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

وجميع ما قال في الفرق بعده ، وهو الرابع والستون والمائتان إلى آخر الفرق الحادي والسبعين والمائتين صحيح أو نقل لا كلام فيه . [ ص: 237 ]



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق السادس والستون والمائتان بين قاعدة المداهنة المحرمة وبين قاعدة المداهنة التي لا تحرم وقد تجب ) وهو أن المداهنة ، وهي معاملة الناس بما يحبون من القول ، وإن شاع بين الناس أنها كلها محرمة إلا أنها تجري عليها الأحكام الخمسة ، فقسم المحرمة ما كان وسيلة لتكثير الظلم والباطل من أهله كشكر الظالم على ظلمه والمبتدع على بدعته أو مبطل على إبطاله ومنه قوله تعالى { ودوا لو تدهن فيدهنون } أي هم يودون لو أثنيت على أحوالهم وعباداتهم ويقولون لك مثل ذلك وقسم غير المحرمة ما لم يكن كذلك بل كان عبارة عن شكر الظلمة الفسقة والذين يتقى شرهم بالكلمات الحقة وبالتبسم في وجوههم وإليه أشار أبو موسى الأشعري رضي الله عنه بقوله : إنا لنشكر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم وهذا قد يكون مباحا إن لم يكن وسيلة لواجب أو مندوب أو مكروه ، وقد يكون واجبا إن كان يتوصل به القائل لدفع ظلم محرم أو محرمات لا تندفع إلا بذلك القول ، ويكون الحال يقتضي ذلك ، وقد يكون مندوبا إن كان وسيلة لمندوب أو من مندوبات ، وقد يكون مكروها إن كان عن ضعف لا ضرورة تتقاضاه بل خور في الطبع أو كان وسيلة للوقوع في مكروه هذا تهذيب كلام الأصل ، وصححه ابن الشاط قلت : وقسم المداهنة المحرمة هو الذي عده العلامة ابن حجر في الزواجر من الكبائر لما أخرجه البيهقي من قوله صلى الله عليه وسلم { من أسوأ الناس منزلة من أذهب آخرته بدنيا غيره } وفي رواية أنه أشر الناس ندامة ، وفي أخرى أنه أشر الناس منزلة يوم القيامة وما أخرجه الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال { من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس } ا هـ والله - سبحانه وتعالى - أعلم .




الخدمات العلمية