الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 56 ] ثم دخلت سنة أربع وتسعين ومائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها خلع أهل حمص نائبهم ، فعزله عنهم الأمين ، وولى عليهم عبد الله بن سعيد الحرشي فقتل طائفة من وجوهها ، وحرق نواحيها بالنار ، فسألوه الأمان فأمنهم ، ثم هاجوا ، فضرب أعناق كثير منهم أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها عزل الأمين أخاه القاسم عن الجزيرة والثغور ، وولى على ذلك خزيمة بن خازم وأمر أخاه بالمقام عنده ببغداد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها أمر الأمين بالدعاء لولده موسى على المنابر في سائر الأمصار ، وبالإمرة من بعده ، وسماه الناطق بالحق ، ثم يدعى بعده للمأمون ، ثم للقاسم ، ومن نية الأمين الوفاء لأخويه بما شرط لهما ، فلم يزل به الفضل بن الربيع حتى غير نيته في أخويه ، وحسن له خلع المأمون والقاسم ، وصغر عنده شأن المأمون وإنما حمله على ذلك خوفه من المأمون إن أفضت إليه الخلافة يوما من الدهر ، فيسعى في خلعه ، وزوال الولاية عنه ، فوافقه الأمين على ذلك ، وأمر بالدعاء لولده موسى من بعده بولاية عهده ، وذلك في ربيع الأول منها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلما بلغ ذلك المأمون قطع البريد عنه ، وترك ضرب اسمه على السكة [ ص: 57 ] والطرز ، وتنكر لأخيه الأمين ، وبعث رافع بن الليث إلى المأمون يسأل منه الأمان فأمنه ، فسار إليه بمن معه ، فأكرمه المأمون وعظمه ، وجاء هرثمة على إثره فتلقاه المأمون ووجوه الناس ، وولاه الحرس ، فلما بلغ الأمين أن الجنود قد التفت على أخيه المأمون ساءه ذلك وأنكره ، وكتب إلى المأمون كتابا وأرسل إليه رسلا ثلاثة من أكابر الأمراء ، يسأله أن يجيبه إلى تقديم ولده موسى عليه ، وأنه قد سماه الناطق بالحق ، فأظهر المأمون الامتناع وشرعوا في مطايبته ، وملاينته ، وأن يجيبهم إلى ذلك ، فأبى كل الإباء ، فقال له العباس بن موسى بن عيسى : فقد خلع أبي نفسه فماذا كان ؟ فقال : إن أباك كان امرأ مكرها ، ثم لم يزل المأمون يعد العباس ويمنيه حتى بايعه بالخلافة ، ثم لما رجع إلى بغداد كان يراسله بما كان من الأمر ببغداد ويناصحه ، ولما رجع الرسل إلى الأمين أخبروه بما كان من جوابه ، فعند ذلك صمم الفضل بن الربيع على الأمين في خلع المأمون فخلعه ، وأمر بالدعاء لولده في العراق كله وبلاد الحجاز وغيرها من البلاد ، وسماه الناطق بالحق ، وجعلوا من يتكلم في المأمون ويذكر مساوئه ، وبعثوا إلى مكة فأخذوا الكتاب الذي كتبه الرشيد ، وأودعه في الكعبة ، فمزقه الأمين ، وأكدوا البيعة للناطق بالحق موسى بن الأمين على ما يليه أبوه من الأعمال ، وجرت بين الأمين والمأمون مكاتبات ورسل يطول بسطها ، وقد استقصاها الإمام أبو جعفر بن جرير في " " تاريخه " " ثم آل [ ص: 58 ] الحال إلى أن احتفظ كل منهما على بلاده وحصنها وهيأ الجيوش والجنود وتألف الرعايا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة غدت الروم على ملكهم ميخائيل فراموا خلعه وقتله فترك الملك وترهب ، وولوا عليهم ليون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحج بالناس فيها نائب الحجاز داود بن عيسى ، وقيل : علي بن الرشيد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية