الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1582 ) مسألة : قال : ( ويدخلها محرمها ، فإن لم يكن فالنساء ، فإن لم يكن فالمشايخ . ) لا خلاف بين أهل العلم في أن أولى الناس بإدخال المرأة قبرها محرمها ، وهو من كان يحل له النظر إليها في حياتها ، ولها السفر معه ، وقد روى الخلال بإسناده عن عمر رضي الله عنه أنه قام عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت زينب بنت جحش فقال : ألا إني أرسلت إلى النسوة من يدخلها قبرها فأرسلن من كان يحل له الدخول عليها في حياتها . فرأيت أن قد صدقن . ولما توفيت امرأة عمر قال لأهلها : أنتم أحق بها ولأن محرمها أولى الناس بولايتها في الحياة ، فكذلك بعد الموت . وظاهر كلام أحمد أن الأقارب يقدمون على الزوج . قال الخلال : استقامت الرواية عن أبي عبد الله أنه إذا حضر الأولياء والزوج ، فالأولياء أحب إليه ، فإن لم يكن الأولياء فالزوج أحق من الغريب ; لما ذكرنا من خبر عمر . ولأن الزوج قد زالت زوجيته بموتها ، والقرابة باقية .

                                                                                                                                            وقال القاضي : الزوج أحق من الأولياء ، لأن أبا بكر أدخل امرأته قبرها دون أقاربها ، ولأنه أحق بغسلها منهم ، فكان أولى بإدخالها قبرها ، كمحل الوفاق ، وأيهما قدم فالآخر بعده . فإن لم يكن واحد منهما ، فقد روي عن أحمد أنه قال : أحب إلي أن يدخلها النساء ; لأنه مباح لهن النظر إليها ، وهن أحق بغسلها .

                                                                                                                                            وعلى هذا يقدم الأقرب منهن فالأقرب ، كما في حق الرجل .

                                                                                                                                            وروي عنه أن النساء لا يستطعن أن يدخلن القبر ، ولا يدفن .

                                                                                                                                            وهذا أصح وأحسن ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين ماتت ابنته أمر أبا طلحة فنزل في قبرها . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أيكم لم يقارف الليلة ؟ قال أبو طلحة : أنا . فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فنزل فأدخلها قبرها } رواه البخاري ورأى النبي صلى الله عليه وسلم النساء في جنازة ، فقال : " هل تحملن ؟ " قلن : لا . قال : " هل تدلين في من يدلي ؟ " قلن : لا . قال { : فارجعن مأزورات غير مأجورات } . رواه [ ص: 190 ] ابن ماجه .

                                                                                                                                            وهذا استفهام إنكار ، فدل على أن ذلك غير مشروع لهن بحال وكيف يشرع لهن وقد نهاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتباع الجنائز ؟ ولأن ذلك لو كان مشروعا لفعل في عصر النبي صلى الله عليه وسلم أو خلفائه ، ولنقل عن بعض الأئمة ، ولأن الجنازة يحضرها جموع الرجال ، وفي نزول النساء في القبر بين أيديهم هتك لهن ، مع عجزهن عن الدفن ، وضعفهن عن حمل الميتة وتقليبها ، فلا يشرع . لكن إن عدم محرمها ، استحب ذلك للمشايخ ; لأنهم أقل شهوة وأبعد من الفتنة ، وكذلك من يليهم من فضلاء الناس وأهل الدين ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا طلحة ، فنزل في قبر ابنته دون غيره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية