الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين السبت: اليوم المعروف ، قاله ابن الأنباري: ومعنى السبت في كلام العرب: القطع يقال: قد سبت رأسه: إذا حلقه وقطع الشعر منه ، ويقال: نعل سبتية: إذا كانت مدبوغة بالقرظ محلوقة الشعر ، فسمي السبت سبتا ، لأن الله تعالى ابتدأ الخلق فيه ، وقطع فيه بعض خلق الأرض ، أو: لأن الله تعالى أمر بني إسرائيل فيه بقطع الأعمال وتركها . قال: وقال بعضهم: سمي سبتا ، لأن الله تعالى أمرهم بالاستراحة فيه من الأعمال ، وهذا خطأ ، لأنه يعرف في كلام العرب: سبت بمعنى: استراح .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي صفة اعتدائهم في السبت قولان . أحدهما: أنهم أخذوا الحيتان يوم السبت ، قاله الحسن ومقاتل . والثاني: أنهم حبسوها يوم السبت وأخذوها يوم الأحد ، وذلك أن الرجل كان يحفر الحفيرة; ويجعل لها نهرا إلى البحر ، فإذا كان يوم السبت فتح النهر ، وقد حرم الله عليه العمل يوم السبت ، فيقبل الموج بالحيتان حتى يلقيها في الحفيرة ، فيريد الحوت الخروج فلا يطيق ، فيأخذها يوم الأحد ، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 95 ] الإشارة إلى قصة مسخهم .

                                                                                                                                                                                                                                      روى عثمان بن عطاء عن أبيه قال: نودي الذين اعتدوا في السبت ثلاثة أصوات . نودوا يا أهل القرية ، فانتبهت طائفة أكثر من الأولى ، ثم نودوا: يا أهل القرية ، فانتبه الرجال والنساء والصبيان ، فقال الله لهم: كونوا قردة خاسئين فجعل الذين نهوهم يدخلون عليهم فيقولون: يا فلان ألم ننهكم؟ فيقولون برؤوسهم: بلى . قال قتادة: فصار القوم قردة تعاوى ، لها أذناب بعدما كانوا رجالا ونساء .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي رواية عن قتادة: صار الشبان قردة ، والشيوخ خنازير ، وما نجا إلا الذين نهوا ، وهلك سائرهم . وقال غيره: كانوا نحوا من سبعين ألفا ، وعلى هذا القول العلماء ، غير ما روي عن مجاهد أنه قال: مسخت قلوبهم ولم تمسخ أبدانهم ، وهو قول بعيد ، قال ابن عباس: لم يحيوا على الأرض إلا ثلاثة أيام ، ولم يحيا مسخ في الأرض فوق ثلاثة أيام ، ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل . وزعم مقاتل أنهم عاشوا سبعة أيام ، وماتوا في اليوم الثامن ، وهذا كان في زمان داود عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: خاسئين : الخاسئ في اللغة: المبعد ، يقال للكلب اخسأ ، أي: تباعد .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين .

                                                                                                                                                                                                                                      في المكنى عنها أربعة أقوال . أحدها: أنها الخطيئة ، رواه عطية عن ابن عباس . والثاني: العقوبة ، رواه الضحاك عن ابن عباس . وقال الفراء: الهاء: كناية عن المسخة التي مسخوها . والثالث: أنها القرية ، والمراد أهلها ، قاله قتادة وابن قتيبة . والرابع: أنها الأمة التي مسخت ، قاله الكسائي ، والزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي النكال قولان . أحدهما: أنه العقوبة ، قاله مقاتل . والثاني: العبرة ، قاله ابن قتيبة والزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: لما بين يديها وما خلفها فيه ثلاثة أقوال . أحدها: لما بين يديها [ ص: 96 ] من القرى وما خلفها ، رواه عكرمة عن ابن عباس . والثاني: لما بين يديها من الذنوب ، وما خلفها: ما عملوا بعدها ، رواه عطية عن ابن عباس . والثالث: لما بين يديها من السنين التي عملوا فيها بالمعاصي ، وما خلفها: ما كان بعدهم في بني إسرائيل لئلا يعملوا بمثل أعمالهم ، قاله عطية .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي المتقين قولان . أحدهما: أنه عام في كل متق إلى يوم القيامة ، قاله ابن عباس . والثاني: أن المراد بهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله السدي عن أشياخه ، وذكره عطية وسفيان .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية