الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
النوع السابع والعشرون

معرفة آداب المحدث

وقد مضى طرف منها اقتضته الأنواع التي قبله‏ . ‏

علم الحديث علم شريف ، يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، وينافر مساوي الأخلاق ، ومشاين الشيم ، وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا‏ . ‏ فمن أراد التصدي لإسماع الحديث ، أو لإفادة شيء من علومه ، فليقدم تصحيح النية وإخلاصها ، وليطهر قلبه من الأغراض الدنيوية وأدناسها ، وليحذر بلية حب الرياسة ، ورعوناتها‏ . ‏

وقد اختلف في السن الذي إذا بلغه استحب له التصدي لإسماع الحديث ، والانتصاب لروايته‏ ، والذي نقوله‏ : إنه متى احتيج إلى ما عنده استحب له التصدي لروايته ، ونشره ، في أي سن كان‏ ، وروينا عن القاضي الفاضل ‏أبي محمد بن خلاد‏ رحمه الله أنه قال‏ : " الذي يصح عندي من طريق الأثر والنظر ، في الحد الذي إذا بلغه [ ص: 237 ] الناقل حسن به أن يحدث هو‏ : أن يستوفي الخمسين ; لأنها انتهاء الكهولة وفيها مجتمع الأشد‏ ، قال ‏سحيم بن وثيل‏‏ :


أخو خمسين مجتمع أشدي ونجذني مداورة الشئون‏

. ‏

قال‏ : " وليس بمنكر أن يحدث عند استيفاء الأربعين ; لأنها حد الاستواء ومنتهى الكمال ، نبئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن أربعين ، وفي الأربعين تتناهى عزيمة الإنسان وقوته ، ويتوفر عقله ، ويجود رأيه‏ " . ‏

وأنكر القاضي ‏عياض‏ ذلك على ‏ابن خلاد‏ ، وقال‏ : كم من السلف المتقدمين ومن بعدهم من المحدثين من لم ينته إلى هذا السن ، ومات قبله ، وقد نشر من الحديث ، والعلم ما لا يحصى هذا ‏عمر بن عبد العزيز‏ توفي ولم يكمل الأربعين . ‏

و‏سعيد بن جبير‏ لم يبلغ الخمسين . ‏ وكذلك ‏إبراهيم النخعي ‏‏‏ . ‏

وهذا ‏مالك بن أنس جلس للناس ابن نيف وعشرين ، وقيل‏ : ابن سبع عشرة ، والناس متوافرون ، وشيوخه أحياء‏ ، وكذلك ‏محمد بن إدريس الشافعي‏‏‏ : قد أخذ عنه العلم في سن الحداثة ، وانتصب لذلك‏ " ، والله أعلم‏‏‏‏ . ‏

قلت‏ : ما ذكره ‏ابن خلاد‏ غير مستنكر ، وهو محمول على أنه قاله‏ : فيمن يتصدى للتحديث ابتداء من نفسه من غير براعة في العلم [ ص: 238 ] تعجلت له قبل السن الذي ذكره‏ ، فهذا إنما ينبغي له ذلك بعد استيفاء السن المذكور ، فإنه مظنة الاحتياج إلى ما عنده‏ ، وأما الذين ذكرهم عياض ممن حدث قبل ذلك‏ فالظاهر أن ذلك لبراعة منهم في العلم تقدمت ، ظهر لهم معها الاحتياج إليهم ، فحدثوا قبل ذلك ، أو لأنهم سئلوا ذلك إما بصريح السؤال ، وإما بقرينة الحال‏ . ‏

التالي السابق


الخدمات العلمية