الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 51 ] 224

ثم دخلت سنة أربع وعشرين ومائتين

ذكر مخالفة مازيار بطبرستان

في هذه السنة أظهر مازيار بن قارون بن ونداد هرمز ، الخلاف على المعتصم بطبرستان ، وعصى وقاتل عساكره .

وكان سببه أن مازيار كان منافرا عبد الله بن طاهر ولا يحمل إليه خراجه ، وكان المعتصم يأمره بحمله إلى عبد الله ، فيقول : لا أحمله إلا إليك ، وكان المعتصم ينفذ ما يقبضه من أصحاب مازيار بهمذان ، ويسلمه إلى وكيل عبد الله بن طاهر يرده إلى خراسان .

وعظم الشر بين مازيار وعبد الله ، وكان عبد الله يكتب إلى المعتصم ، حتى استوحش من مازيار ، فلما ظفر الأفشين ببابك ، وعظم محله عند المعتصم ، طمع في ولاية خراسان ، فكتب إلى مازيار يستميله ، ويظهر له المودة ، ويعلمه أن المعتصم قد وعده ولاية خراسان ، ورجا أنه إذا خالف مازيار سيره المعتصم إلى حربه ، وولاه خراسان ، فحمل ذلك مازيار على الخلاف ، وترك الطاعة ، ومنع جبال طبرستان ، فكتب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر يأمره بمحاربته ، وكتب الأفشين إلى مازيار يأمره بمحاربة عبد الله ، وأعلمه أنه يكون له عند المعتصم كما يحب ، ولا يشك الأفشين أن مازيار يقوم في مقابلة ابن طاهر ، وأن المعتصم يحتاج إلى إنفاذه وإنفاذ عساكر غيره .

فلما خالف دعا الناس إلى البيعة ، فبايعوه كرها ، وأخذ الرهائن فحبسهم ، وأمر أكرة الضياع بانتهاب أربابها .

وكان مازيار أيضا يكاتب بابك ، واهتم مازيار بجمع الأموال من تعجيل الخراج وغيره ، فجبى في شهرين ما كان يؤخذ في سنة ، ثم أمر قائدا له يقال له سرخاستان ، [ ص: 52 ] فأخذ أهل آمل ، وأهل سارية جميعهم ، فنقلهم إلى جبل على النصف ما بين سارية وآمل ، يقال له هرمزاباذ ، فحبسهم فيه ، وكانت عدتهم عشرين ألفا ، فلما فعل ذلك تمكن من أمره ، وأمر بتخريب سور آمل ، وسور سارية ، وسور طميس ، فخربت الأسوار .

وبنى سرخاستان سورا من طميس إلى البحر ، مقدار ثلاثة أميال ، كانت الأكاسرة بنته لتمنع الترك من الغارة على طبرستان ، وجعل له خندقا ففزع أهل جرجان ، وخافوا ، فهرب بعضهم إلى نيسابور ، فأنفذ عبد الله بن طاهر عمه الحسن بن الحسين بن مصعب في جيش كثيف لحفظ جرجان وأمره أن ينزل على الخندق الذي عمله سرخاستان ، فسار حتى نزله ، وصار بينه وبين سرخاستان صاحب الخندق ، ووجه أيضا ابن طاهر حيان بن جبلة في أربعة آلاف إلى قومس ، فعسكر على حد جبال شروين ، ووجه المعتصم من عنده محمد بن إبراهيم بن مصعب أخا إسحاق بن إبراهيم ، ومعه الحسن بن قارن الطبري ، ومن كان عنده من الطبرية ، ووجه المنصور بن الحسن صاحب دنباوند إلى الري ليدخل طبرستان من ناحية الري ، ووجه أبا الساج إلى اللارز ودنباوند .

فلما أحدقت الخيل بمازيار من كل جانب ، كان أصحاب سرخاستان يتحدثون مع أصحاب الحسن بن الحسين ، ( حتى استأنس بعضهم ببعض ، فتآمر بعض أصحاب الحسن في دخول السور ، فدخلوه إلى أصحاب سرخاستان ) على غفلة من الحسن ، ونظر الناس بعضهم إلى بعض ، فثاروا ، وبلغ الخبر إلى الحسن ، فجعل يصيح بالقوم ، ويمنعهم خوفا عليهم ، فلم يقفوا ، ونصبوا علمه على معسكر سرخاستان ، ( وانتهى الخبر إلى سرخاستان ) ، وهو في الحمام ، فهرب في غلالة ، وحيث رأى الحسن أن أصحابه قد دخلوا السور ، قال : اللهم إنهم عصوني وأطاعوك ، فانصرهم .

وتبعهم أصحابه حتى دخلوا إلى الدرب من غير مانع ، واستولوا على عسكر سرخاستان ، وأسر أخوه شهريار ، ورجع الناس عن الطلب لما أدركهم الليل ، فقتل الحسن شهريار ، وسار سرخاستان حافيا فجهده العطش ، فنزل عن دابته وشدها ، فبصر به رجل من أصحابه ، وغلام اسمه جعفر ، وقال سرخاستان : يا جعفر ! اسقني ماء ، فقد هلكت عطشا ، فقال : ليس عندي ما أسقيك فيه .

قال جعفر : واجتمع إلي عدة من أصحابي ، فقلت لهم : هذا الشيطان قد أهلكنا ، [ ص: 53 ] فلم لا نتقرب إلى السلطان به ، ونأخذ لأنفسنا الأمان ؟ فثاورناه ، وكتفناه ، فقال لهم : خذوا مني مائة ألف درهم واتركوني ، فإن العرب لا تعطيكم شيئا ، فقالوا : أحضرها ! فقال : سيروا معي إلى المنزل لتقبضوها ، وأعطيكم المواثيق على الوفاء ، فلم يفعلوا ، وساروا به نحو عسكر المعتصم ، ولقيتهم خيل الحسن بن الحسين ، فضربوهم ، وأخذوه منهم ، وأتوا به الحسن ، فأمر به فقتل .

وكان عند سرخاستان رجل من أهل العراق يقال له أبو شاس يقول الشعر ، وهو ملازم له ليتعلم منه أخلاق العرب ، فلما هجم عسكر العرب على سرخاستان انتهبوا جميع ما لأبي شاس ، وخرج ، وأخذ جرة فيها ماء ، وأخذ قدحا ، وصاح : الماء للسبيل ، وهرب ، فمر بمضرب كاتب الحسن ، فعرفه أصحابه ، فأدخلوه إليه ، فأكرمه ، وأحسن إليه ، وقال له : قل شعرا تمدح به الأمير ، فقال : والله ما بقي في صدري شيء من كتاب الله من الخوف ، فكيف أحسن الشعر ؟

ووجه الحسن برأس سرخاستان إلى عبد الله بن طاهر ، وكان حيان بن جبلة مولى عبد الله بن طاهر قد أقبل مع الحسن ، كما ذكرنا ، وهو بناحية طميس ، وكاتب قارن بن شهريار ، وهو ابن أخي مازيار ، ورغبه في المملكة ، وضمن له أن يملكه على جبال أبيه وجده .

وكان قارن من قواد مازيار ، وقد أنفذه مازيار مع أخيه عبد الله بن قارن ، ومعه عدة من قواده ، فلما استماله حيان ضمن له قارن أن يسلم إليه الجبال ومدينة سارية إلى حدود جرجان ، على هذا الشرط ، وكتب بذلك حيان إلى عبد الله بن طاهر ، فأجابه إلى كل ما سأل ، وأمر حيان أن لا يوغل حتى يستدل على صدق قارن ، لئلا يكون منه مكر ، وكتب حيان إلى قارن بإجابة عبد الله ، فدعا قارن بعمه عبد الله بن قارن ، وهو أخو مازيار ، ودعا جميع قواده إلى طعامه ، فلما وضعوا سلاحهم واطمأنوا أحدق بهم أصحابه في السلاح ، وكتفهم ، ووجه بهم إلى حيان ، فلما صاروا إليه استوثق منهم ، وركب في أصحابه حتى دخل جبال قارن .

[ ص: 54 ] وبلغ الخبر مازيار ، فاغتم لذلك ، قال له القوهيار : في حبسك عشرون ألفا من بين حائك ، وإسكاف ، وحداد ، وقد شغلت نفسك بهم ، وإنما ( أتيت من مأمنك ) وأهل بيتك ، فما تصنع بهؤلاء المحبسين عندك ؟ قال : فأطلق مازيار جميع من حبسه ، ودعا جماعة من أعيان أصحابه ، وقال لهم : إن بيوتكم في السهل ، وأخاف أن يؤخذ حرمكم وأموالكم ، فانطلقوا وخذوا لأنفسكم أمانا ، ففعلوا ذلك .

ولما بلغ أهل سارية أخذ سرخاستان ودخول حيان جبل شروين وثبوا على عامل مازيار بسارية ، فهرب منهم ، وفتح الناس السجن ، وأخرجوا من فيه ، وأتى حيان إلى مدينة سارية ، وبلغ قوهيار أخا مازيار الخبر ، فأرسل إلى حيان مع محمد بن موسى بن حفص يطلب الأمان ، وأن يملك على جبال أبيه وجده ليسلم إليه مازيار ، فحضر عند حيان ومعه أحمد بن الصقر ، وأبلغاه الرسالة ، فأجاب إلى ذلك .

فلما رجعا رأى حيان تحت أحمد فرسا حسنا ، فأرسل إليه وأخذه منه ، فغضب أحمد من ذلك ، وقال : هذا الحائك العبد يفعل بشيخ مثلي ما فعل ! ثم كتب إلى قوهيار : ويحك ! لم تغلط في أمرك وتترك مثل الحسن بن الحسين عم الأمير عبد الله بن طاهر ، وتدخل في أمان هذا العبد الحائك ، وتدفع إليه أخاك ، وتضع قدرك ، وتحقد عليك الحسن بتركك إياه ، وبميلك إلى عبد من عبيده ؟

فكتب إليه قوهيار : أراني قد غلطت في أول الأمر ، ووعدت الرجل أن أصير إليه بعد غد ، ولا آمن إن خالفته أن يناهضني ويستبيح دمي ومنزلي وأموالي ، وإن قاتلته فقتلت من أصحابه ، وجرت الدماء فسد كل ما عملناه ، ووقعت الشحناء .

فكتب إليه أحمد : إذا كان يوم الميعاد فابعث إليه برجل من أهلك ، واكتب إليه أنه قد عرضت علة منعتني عن الحركة ، وأنك تتعالج ثلاثة أيام ، فإن عوفيت ، وإلا سرت إليك في محمل ، وسنحمله نحن على قبول ذلك ، فأجابه إليه ، وكتب أحمد بن الصقر ، [ ص: 55 ] ومحمد بن موسى بن حفص إلى الحسن بن الحسين ، وهو بطميس : أن أقدم علينا لندفع إليك مازيار والخيل ، وإلا فاتك ، ووجها الكتاب إليه مع من يستحثه .

فلما وصل الكتاب ركب من ساعته ، وسار مسيرة ثلاثة أيام في ليلة ، وانتهى إلى سارية ، فلما أصبح تقدم إلى خرماباذ ، وهو الموعد بين قوهيار وحيان ، وسمع حيان ( وقع ) طبول الحسن ، فتلقاه على فرسخ ، فقال له الحسن : ما تصنع هاهنا ؟ ولم توجه إلى هذا الموضع ؟ وقد فتحت جبال شروين وتركتها ، فما يؤمنك أن يغدر أهلها ، فينتقض جميع ما عملنا ؟ ارجع إليهم حتى لا يمكنهم الغدر إن هموا به . فقال حيان : أريد أن أحمل أثقالي ، وآخذ أصحابي ، فقال له الحسن : سر أنت ، فأنا باعث بأثقالك وأصحابك .

فخرج حيان من فوره ، كما أمره ، وأتاه كتاب عبد الله بن طاهر أن يعسكر بكور ، وهي من جبال ونداد هرمز ، وهي أحصنها ، وكانت أموال مازيار بها ، فأمر عبد الله أن لا يمنع قارن مما يريد من الأموال والجبال ، فاحتمل قارن مما كان بها وبغيرها من أموال مازيار وسرخستان ، وانتقض على حيان ما كان عمله بسبب شرهه إلى ذلك الفرس ، وتوفي بعد ذلك حيان ، فوجه عبد الله مكانه عمه محمد بن الحسين بن مصعب ، وسار الحسن بن الحسين إلى خرماباذ ، فأتاه محمد بن موسى بن حفص ، وأحمد بن الصقر ، فشكرهما وكتب إلى قوهيار ، فأتاه ، فأحسن إليه الحسن ، وأكرمه ، وأجابه إلى جميع ما طلب ( إليه منه لنفسه ) وتواعدوا يوما ( يحضر مازيار عنده ) .

ورجع قوهيار إلى مازيار ، فأعلمه أنه قد أخذ له الأمان ، واستوثق له . وركب الحسن يوم الميعاد ( وقت الظهر ) ، ومعه ثلاثة غلمان أتراك ، وأخذ إبراهيم بن مهران يدله على الطريق إلى أرم ، فلما قاربها خاف إبراهيم ، وقال : هذا موضع لا يسلكه إلا ألف فارس ، فصاحى به : امض ! قال : فمضيت وأنا طائش العقل ، حتى وافينا أرم ، فقال : أين طريق هرمزاباذ ؟ قلت : على هذا الجبل في هذا الطريق ، فقال : سر إليها ! فقلت : الله الله في نفسك وفينا ، وفي هذا الخلق الذين معك ، فصاح : امض يا ابن اللخناء ! فقلت : اضرب عنقي أحب إلي من أن يقبلني مازيار ، ويلزمني الأمير عبد الله الذنب ، فانتهرني حتى ظننت أنه يبطش بي ، فسرت وأنا خائف فأتينا هرمزاباذ [ ص: 56 ] مع اصفرار الشمس ، فنزل فجلس ونحن صيام .

وكانت الخيل قد تقطعت لأنه ركب بغير علم الناس ، فعلموا بعد مسيره . قال : وصلينا المغرب ، وأقبل الليل ، وإذا بفرسان بين أيديهم الشمع مشتعلا ، مقبلين من طريق لبورة ، فقال الحسن : أين طريق لبورة ؟ فقلت : أرى عليه فرسانا ونيرانا ، وأنا داهش لا أقف على حقيقة الأمر ، حتى قربت ( النيران فنظرت ) ، فإذا المازيار مع القوهيار ، فنزلا ، وتقدم مازيار فسلم على الحسن ، فلم يرد عليه السلام ، وقال لرجلين من أصحابه : خذاه إليكما ، فأخذاه ، فلما كان السحر وجه الحسن مازيار معهما إلى سارية ، وسار الحسن إلى هرمزاباذ ، فأحرق قصر مازيار ، ونهب ماله ، وسار إلى خرماباذ ، وأخذ إخوة مازيار فحبسوا هنالك ، ووكلوا بهم ، وسار إلى مدينة سارية ، فأقام بها ، وحبس مازيار .

ووصل محمد بن إبراهيم بن مصعب إلى الحسن بن الحسين ، فسار به ليناظره في معنى المال الذي لمازيار وأهله ، فكتب إلى عبد الله بن طاهر ، فأمر الحسن بتسليم مازيار وأهله إلى محمد بن إبراهيم ليسير بهم إلى المعتصم ، وأمره أن يستقصي على أموالهم ويحرزها ، فأحضر مازيار وسأله عن أمواله ، فذكر أنها عند خزانه ، وضمن قوهيار ذلك ، وأشهد على نفسه ، وقال مازيار : اشهدوا علي أن جميع ما أخذت من أموالي ستة وتسعون ألف دينار ، وسبع عشرة قطعة زمرد ، وست عشرة قطعة ياقوت ، وثمانية أحمال من ألوان الثياب ، وتاج ، وسيف مذهب مجوهر ، وخنجر من ذهب مكلل بالجوهر ، وحق كبير مملوء جوهرا ، قيمته ثمانية عشر ألف ألف درهم ، وقد سلمت ذلك إلى خازن عبد الله بن طاهر ، وصاحب خبره على العسكر .

وكان مازيار قد استخلف هذا ليوصله إلى الحسن بن الحسين ليظهر للناس والمعتصم أنه آمنه على نفسه ، وماله ، وولده ، وأنه جعل له جبال أبيه ، فامتنع الحسن من قبوله ، وكان أعف الناس .

فلما كان الغد أنفذ الحسن مازيار إلى المعتصم مع يعقوب بن المنصور ، ثم أمر الحسن قوهيار أن يأخذ بغاله ليحمل عليها مال مازيار ، فأخذها ، وأراد الحسن أن ينفذ معه جيشا ، فقال : لا حاجة لي بهم .

[ ص: 57 ] وسار هو وغلمانه ، فلما فتح الخزائن ، وأخرج الأموال وعبأها ليحملها ، وثب عليه مماليك المرزبان ، وكانوا ديالمة ، وقالوا : غدرت بصاحبنا ، وأسلمته إلى العرب ، وجئت لتحمل أمواله ! وكانوا ألفا ومائتين ، فأخذوه ، وقيدوه ، فلما جنهم الليل قتلوه ، وانتهبوا الأموال والبغال ، فانتهى الخبر إلى الحسن بن الحسين ، فوجه جيشا ، ووجه قارن ( جيشا ، فأخذ أصحاب قارن ) منهم عدة منهم ابن عم مازيار يقال له : شهريار بن المضمغان ، وكان هو يحرضهم ، فوجهه إلى عبد الله بن طاهر فمات بقومس .

وعلم محمد بن إبراهيم خبرهم ، فأرسل في أثرهم ، فأخذوا ، وبعث بهم إلى مدينة سارية .

وقيل : إن السبب في أخذ مازيار كان ابن عم له اسمه قوهيار كان له جبال طبرستان ( وكان لمازيار السهل ، وجبال طبرستان ) ثلاثة أجبل : جبل وندادهرمز ، ( وجبل أخيه ) ( ونداسنجان ) ، والثالث جبل شروين بن سرخاب ، فقوي مازيار ، وبعث [ إلى ] ابن عمه قوهيار ، وقيل هو أخوه ، فألزمه بابه ، وولى الجبل واليا من قبله يقال له دري ، فلما خالف مازيار واحتاج إلى الرجال دعا قوهيار ، وقال له : أنت أعرف بجبلك من غيرك ، وأظهره على أمر الأفشين ، ومكاتبته ، وأمره بالعود إلى جبله ، وحفظه ، وأمر الدري بالمجييء إليه ، فأتاه فضم إليه العساكر ، ووجهه إلى محاربة الحسن بن الحسين ، عم عبد الله بن طاهر .

وظن مازيار أنه قد استوثق من الجبل بقوهيار ، وتوثق من المواضع المخوفة بدري وعساكره ، واجتمعت العساكر عليه ، كما تقدم ذكره ، وقربت منه .

وكان مازيار ، في مدينته ، في نفر يسير ، فدعا قوهيار الحقد الذي في قلبه على مازيار وما صنع به إلى أن كاتب الحسن بن الحسين ، وأعلمه جميع ما في عسكره ومكاتبة الأفشين ، فأنفذ الحسن كتاب قوهيار إلى عبد الله بن طاهر ، فأنفذه عبد الله إلى المعتصم ، وكاتب عبد الله والحسن قوهيار ، وضمنا له جميع ما يريد ، وأن يعيد إليه جبله ، وما كان بيده لا ينازعه فيه أحد ، فرضي بذلك ، وواعدهم يوما يسلم فيه الجبل .

فلما جاء الميعاد تقدم الحسن فحارب دري ، وأرسل عبد الله بن طاهر جيشا كثيفا ، [ ص: 58 ] فوافوا قوهيار ، فسلم إليهم الجبل ، ( فدخلوه ) ، ودري يحارب الحسن ومازيار في قصره ، فلم يشعر مازيار إلا والخيل على باب قصره ، فأخذوه أسيرا .

وقيل إن مازيار كان يتصيد ، فأخذوه وقصدوا به نحو دري وهو يقاتل ، فلم يشعر هو وأصحابه إلا وعسكر عبد الله من ورائهم ، ومعهم مازيار ، فاندفع دري وعسكره ، واتبعوه ، وقتلوه ، وأخذوا رأسه ، وحملوه إلى عبد الله بن طاهر ، وحملوا إليه مازيار ، فوعده عبد الله بن طاهر إن هو أظهره على كتب الأفشين أن يسأل فيه المعتصم ليصفح عنه ، فأقر مازيار بذلك ، وأظهر الكتب عند عبد الله بن طاهر ، فسيرها إلى إسحاق بن إبراهيم ، وسير مازيار ، وأمره أن لا يسلمها إلا من يده إلى يد المعتصم ، ففعل إسحاق ذلك ، فسأل المعتصم مازيار عن الكتب ، فأنكرها ، فضربه حتى مات ، وصلبه إلى جانب بابك .

وقيل إن مخالفة مازيار كانت سنة خمس وعشرين ، والأول أصح ، لأن قتله كان في سنة خمس وعشرين ، وقيل إنه اعترف بالكتب على ما نذكره إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية