الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( باب ما جاء في مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم )

المشية بالكسر ما يعتاده الشخص من المشي على ما هو وضع الفعلة بالكسر ، ذكره الجاربردي .

( حدثنا قتيبة بن سعيد أخبرنا ابن لهيعة ) بفتح اللام فكسر الهاء ابن [ ص: 217 ] عقبة الحضرمي صدوق ، ذكره ميرك ، وقال العصام : خلط بعد احتراق كتبه ، كذا في التقريب ، وجزم النووي بضعفه في التهذيب ( عن أبي يونس عن أبي هريرة قال : ما رأيت ) أي أبصرت أو علمت ، وهو أبلغ ( شيئا ) تنوينه للتنكير ( أحسن ) صفة شيئا على الأول ، ومفعول ثان على الثاني ( من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) المراد منه نفي كون شيء أحسن منه صلى الله عليه وسلم ، والمعنى أنه أحسن مما عداه ، وهو المفهوم عرفا كما سبق ( كأن الشمس ) استئناف بيان أو تعليل ، أي كان شعاعها أو جرمها خلافا لمن نازع في الثاني ، مع أنه أبلغ ( تجري في وجهه ) شبه جريان الشمس في فلكها بجريان الحسن ونوره في وجهه صلى الله عليه وسلم ، وعكس التشبيه مبالغة ، ويحتمل أن يكون من تناهي التشبيه ، بجعل وجهه مقرا ومكانا للشمس ، ويؤيده ما أخرجه الطبراني والدارمي من حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء ، لو رأيته لرأيت الشمس طالعة ، وفي حديث ابن عباس قال : لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظل ، ولم يقم مع شمس قط إلا غلب ضوءه ضوء الشمس ، ولم يقم مع سراج قط إلا غلب ضوءه ضوء السراج ، ذكره ابن الجوزي ، والقصد من هذا إقامة البرهان على أحسنيته ، وإنما خص الوجه بذلك ; لأنه الذي به يظهر المحاسن ; لأن حسن البدن تابع لحسنه غالبا ، ( وما رأيت أحدا أسرع في مشيته ) بالكسر للهيئة ، وفي نسخة بلفظ المصدر ، وهو بفتح الميم بلا تاء ، أي في كيفية مشيه ( من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما الأرض ) بالرفع ( تطوى ) أي تجمع وتجعل مطوية ( له ) أي تحت قدميه ( إنا ) بكسر الهمزة استئناف مبين ، وفي نسخة وإنا ( لنجهد ) قال الجزري : بضم النون وكسر الهاء ، ويجوز فتحهما انتهى . فما وقع لابن حجر وغيره من قولهم بفتح أوله وضمه غير مطابق للرواية ، وإن كان موافقا للدراية ، يقال : أجهد دابته وجهدها إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها ، حتى وقعت في المشقة فالمعنى إنا نتعب ( أنفسنا ) ونوقعها في الجهد والمشقة في حال سيره صلى الله عليه وسلم ( وإنه لغير مكترث ) أي غير مبال بجهدنا ، والجملة حال من فاعل نجهد أو مفعوله ، والمعنى أن سرعة مشيه كانت على غاية من الهون ، والتأني بالنسبة إليه ، ولم يكن بسرعة فاحشة تذهب بهاءه ووقاره ، فلا ينافي قوله تعالى : وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وقوله تعالى : واقصد في مشيك والحاصل أن سرعته في مشيته ، كانت من كمال القوة لا من [ ص: 218 ] حيث الجهد والمشقة والعجلة ، ولعل الوجه في المناسبة بين اقتران الجملتين ، أن حسن وجهه صلى الله عليه وسلم كان مستمرا لم يتغير في حال دون حال ، بخلاف غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية