الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الركن الرابع : البينة ، وفي الجواهر : إذا قال : لفلان علي أو عندي له أو أخذت منه أو أعطاني فهو إقرار ; لأنه المفهوم لغة وعرفا من هذه الألفاظ ، ولو قال : لي عليك ألف ، فقال له : خذ أو حتى يأتي وكيلي يزن لك ، لم يكن إقرارا إن حلف ، وقال الأئمة : لأنه يحتمل خذ الجواب مني أو اتزنه ، قال ابن عبد الحكم : كذلك إذا قال : اجلس فانتقدها أو اتزنها ; لأنه لم ينسب ذلك إلى أنه هو الذي يدفع إليه ، وقال الأئمة : هو إقرار ; لأن الضمير لم أذكره ( كذا ) تعين عوده [ ص: 270 ] على المتقدم الدعوى به ، بخلاف إذا لم يأت بالضمير ، وقال : اتزن لغيرها ، وقال : اتزنها مني أو ساهلني فيها ، لزمته ; لأنه نسب ذلك إلى نفسه ، وفي كتاب ابن سحنون : وإذا قال : اقض العشرة التي عليك ، فقال : اتزنها ، أو تنقدها أو اقعد فاقبضها ، هو إقرار ، وكذلك : اتزن أو انتقده ، ولو قال : اتزن أو اتزنها ، ما أبعد من ذلك أو من ( كذا ) أو قرب تأخذها ، ما أبعدك من ذلك فليس بإقرار ، ولو قال : لي عليك عشرة ، فقال : بلى أو أجل أو نعم أو صدقه ، أو أنا مقر بها ، أو لست منكرا لها ، فهو إقرار ، ولأن هذه الكلمات وضعت للتصديق ، ولو قال : ليست ميسرة ، أو أرسل رسولك يقبضها أو أنظرني بها فهو إقرار بذلك له ، ذلك عادة ( كذا ) على التصديق ، ولو قال : أليس لي عليك ؟ فقال : حق ، لزمه ، وكذلك لو قال : اشتر مني هذا العبد ، فقال : نعم ، فهو إقرار بالعبد ، وقاله ( ش ) وهذه الصيغ منها صريح ، نحو : علي فإنها للإيجاب واللزوم ، كقوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت ) . وأنا مقر ، ونحو : نعم وبلى ، لأنها أجوبة لما يستقبل ، فيتعين ذكر السواك ( كذا ) معها ، تقديره نعم ، نقر لك علي وعندي يحتمل الأمانات والضمانات من غير رجحان لكن لما كان التسليم واجبا في الجميع ألزمناه التسليم ، والكناية نحو لا أذكر يحتمل ولا أقر ; لأن الساكت كذلك ، ونحو : اتزن واتزنها ، ونحو ذلك ففيها احتمالات إلا أن الرجحان في احتمال وجوب التسليم ، ووافقنا الأئمة في نعم ونحوه ، وعند ( ش ) كان ذلك أو بررت أو هو كما أخبرت ، أو قد ثبت من ذلك أو لا أعود إلى مثلها ، أو ليتني ما فعلت ، أو هي التوبة ، إقرار ، وعنده لو قال : اقترضت في مائة ، فقال : ما اقترضت من أحد سواك ، أو ما اقترضت من أحد قبلك ، ليس بإقرار ; لأنه معناه إذا لم أفعل ذلك مع غيرك فكيف أفعله معك ، وعنده أصل عندي أو عسى أو أحسب أو أظن أو أقدر ليس بإقرار لعدم الجزم ، وله علي في علمي عنده إقرار للجزم ، ووجدت في حسابي أو في [ ص: 271 ] كتاب لك ( كذا ) ليس بإقرار عنده ; لأنه لم يجزم بصحته ما وجده ، وقاله ( ح ) وإذا قال : أتقضي المائة التي لي عليك ، فقال : أفعل وابعث رسولك ، أو إذا جاءت الغلة ، أو أنا في ذلك ، أو أرفق علي أو كم تقتضي ، أو كم تمن علي بالإنظار ، وله علي ألف إن شاء الله ليس بإقرار للجهل بالمسألة ، وكذلك عنده إن شاء المطالب لي ، أو زيد ، أو شئت أنا ; لأن الإقرار إخبار عن المحقق ، والمحقق لا يعلق على الشروط فليس بإقرار ، وإن بعدت المشيئة عقيب قوله ، وكذلك عنده إن جاء رأس الشهر فله علي دينار أو له علي دينار إن جاء رأس الشهر ، وأكثر أصحابه في الثاني إذا أخر الشرط أنه إقرار ; لأن قوله له علي إقرار ، ويحمل مجيء الشهر على الحلول ، بخلاف تقديم الشرط فإنه تعليق للإقرار ، وعلي ألف إن شهد شاهدان فعنده ليس بإقرار تقدم الشرط أو تأخر ; لأن الواقع لا يقبل التعليق ، وكذلك عنده إن شهد فلان صدقته ; لأنه وعد وقد يصدق من ليس بصادق ، وإن قال : أشهد علي بما في الورقة ، فهو عنده إقرار بها ; لأنه العرف وإن كان اللفظ إنما تناول الكتابة دون المكتوب ; لأنه ليس في الورقة ، وكذلك إن قال : أخبروا فلانا أن له علي ألفا ; لأنه توكيل في الإقرار ، وكان له علي ألف ، فيه وجهان عندهم نظرا إلى أن الأصل البقاء ، أو كان يدل على العدم في الحال ، وبكونه إقرارا ، قال ابن حنبل : وهو أحد قولي ( ش ) ، وإقرار العجمي بالعجمية يصح كالشهادة بالعجمية ، وإن أقر عجمي بالعربية أو بالعكس وعلم منه معرفته لذلك اللسان لزم ، والقول قوله ، ويقام عليه الحد في الزنى خلافا لـ ( ح ) في الزنى والقتل محتجا بأن الإشارة إلى الزنى أو القتل قد يكون مع الشبهة ولا يتميز في القتل العمد من الخطأ ، وهو ينتقض بذلك بالطلاق ، وبأنه إذا كان يكتب ويميز لا يقام عليه الحد مع انتفاء المانع ، وهذا جميعه هو نقل مذهب ( ش ) ووافقه ( ح ) وابن حنبل في أكثر ذلك وعند الحنفية : قبلي ألف درهم لزيد إقرار بالدين لا بالعين ; لأنه الغالب إلا أن يبين موصولا أنه وديعة ; لأن حكم الكلام يتقرر بالسكوت كما في التعليق والاستثناء ، وعند ( ش ) يقبل المنفصل لصلاحية اللفظ للدين والوديعة ، وكل لفظ صالح لأمرين على [ ص: 272 ] السواء ، يجوز تأخير التفسير ، وإنما يشترط الاتصال في المختص ، نحو علي ، بخلاف قبلي ، وعند الحنفية عندي ومعي وفي يدي إقرار بالوديعة ، وفي ما بجوفي دراهم هذا إقرار بالوديعة إن كان متميزا ، وإلا فإقرار بالشركة ; لأنه جعل ماله طرفا لذمته ( كذا ) ، وله من مالي ألف درهم هو هبة لا تملك إلا بالتسليم ; لأن من للتبعيض والتميز بخلاف في ما لي ، فإنه للشركة لأجل الشياع ، وعدم ما يدل على التمييز ، وله من مالي ألف ، لا حق لي فيها ، إقرار بالدين ; لأن الهبة بقي للواهب فيها حق على أصولهم أن الهبة لا تملك إلا بالقبض ، خلافا لنا ، وأصالحك من حقك إقرار ، بخلاف من دعواك ; لأن الدعوى قد تكون باطلة ، واخرج من هذه الدار بألف ، وابرأ منها بألف ، أو سلمها بألف ، إقرار بالملك عندهم ; لأن هذه الألفاظ إذا قرنت بالبدل دلت عادة على اعتقاد الملك ، وإن عرت عن البدل لا يكون إقرارا ; لأنه قد يطلب تسليم مالك نفسه ولو اصطلحا على أن يسلم أحدهما دارا والآخر عبدا ليس بإقرار ; لأن لفظ الصلح يستعمل لفض الخصومة لا لطلب التمليك ، وكتب لفلان علي حكما بألف ، إقرار ; لأنه لا يكتب في العادة إلا ما وجب ، وأصل الصك الضرب ، ومنه قوله تعالى : ( فصكت وجهها ) . والورق يضرب بالكتب ، وعندهم ما لفلان علي شيء فلا تخبره به بأن له علي ألفا ليس بإقرار ، بخلاف أن يقال ابتداء : لا تخبره بأن له علي ألفا هو إقرار ; لأن النهي عن الشيء عندهم يقتضي أن يكون المنهي عنه حتى يستقيم المنع ، والخبر المتقدم للنهي يمنع من التكون لضرورة تصديقه في الخبر عن النفي ، وعندهم لو قال المدعي : لي عليك ألف درهم ، فقال الآخر : ولي عليك ألف درهم ، ليس بإقرار ; لأن العطف على الكلام لا يقتضي صحته ، نحو : أنت تقول الباطل وأنا أقول الحق ، ولو قال : لي عليك مثلها هو إقرار ; لأن المثلية تقتضي التساوي ، وعندهم كل ما يوجد بخط فلان فقد التزمته ، ليس بإقرار ; لأنه وعد بالالتزام ولي عليك ألف فيقول : ما [ ص: 273 ] أبعدك من هذا ، ليس بإقرار ، بخلاف ما أبعدك من الثريا ، هو إقرار ; لأنه أضاف البعد إلى الثريا دون الألف ، ومعناه ما أبعد هذا الدين من الثريا وهو معترف به ، ولي عليك ألف ، فقال : أما خمسمائة فلا ، إقرار عندهم بخمسمائة ; لأن نفي بعض المدعى به يدل على ثبوت الباقي ، وأعطني الألف التي عليك ، فيقول : اصبر وسوف تأخذها ، ليس بإقرار عندهم ; لأنه قد يقول ذلك استهزاء ، ولو قال : هذا القميص من خياطة فلان ، أو هذه الدار من بنائه ، ليس بإقرار ، وكذلك جميع الأعمال بخلاف هذا الطعام من زرع فلان ; لأن العادة هاهنا قصد الملك دون [ . . . ] فكذلك هذا التمر من نخل فلان ، أو من أرضه ، أو بستانه ، أو هذا الجبن من غنمه ، وكذلك هذا الحيوان عندهم بخلاف هذا الولد من جاريته ; لأن هذا نسب على غيره وهي الأم ، ولو قلت : لي عليك ألف درهم ، فقال : مع مائة ، فعندهم قولان ، لا يكون إقرارا ; لأنه أضاف المائة إلى ما لم يجب فلا يجب ، وقيل : إقرارا بالمدعى وزيادة المائة ، ولو قال : جميع ما أملكه بعته من فلان ، فالبيع فاسد عندهم ، ولو قال : لفلان ثلاث دراهم ، هذه كانت هبة ، وثلث هذه الدراهم إقرار ، والفرق أن قوله دراهم يقتضي ملكه لجميعها ، ولو قلت : لي عليك ألف ، فقال : الحق أو حقا فهو إقرار ; لأن هذا اللفظ يستعمل للتصديق رفعت أو نصبت ، فكذلك الحق الحق أو الحق الحق تقديره قلت : الحق الحق أو ما يقوله الحق الحق والتكرار للتأكيد ، ولو قال : الحق حق ليس بإقرار عندهم ; لأن هذا كلام مستقل ، لا يتعلق بالأول ، بل هو مبتدأ وخبر ، كما لو قال : فلانة طالق ثلاثا وفلانة طالق ، لم تطلق الثانية الأولى هذه لاستقلال الكلام بنفسه ، والفرق بينه وبين الحق الحق مع الابتداء والخبر فيه أن كون الثاني ذكره ترجيح الابتداء والخبر ، والتساوي في التعريف يرجح النعت ; لأنه شأن النعت والتذكير شأن الخبر ، وأن الحق حق لا يستعمل تصديقا عرفا بخلاف الآخر ، ولو قال : الصلاح البر لم يكن إقرارا ; لأنه لا [ ص: 274 ] يستعمل تصديقا ، بل يحتمل عليك الصلاح والبر أي نهيتك عن الكذب علي ، بخلاف ، الحق البر ، أو اليقين البر ، أو الصدق البر ; لأن قرينة الحق والصدق تدل على التصديق ، فكأنه قال : صدقت وبررت ; لأن الشيء لا يستعمل مع غيره تبعا إلا إذا كان في معناه نحو ، جائع قاطع ، أو صائر حائر ، ولو قال : الحق الصلاح أو البر الصلاح لم يكن إقرارا عندهم ; لأن قدر البر والحق بما ( كذا ) ، لا يكون تصديقا ; لأن الصلاح لا يستعمل للتصديق عرفا ، فلا يقال : صدقت وصلحت ، ومعناه : عليك الحق والصلاح ، فهو رد ونهي ، وإذا كتبت البسملة والدعاء ، وقال : لما فكر فلك علي ( كذا ) جازت شهادة علي بذلك عندهم ; لأن الكتابة تقوم مقام اللفظ ; لأنه صلى الله عليه وسلم وجب عليه التبليغ وبلغ البعض بالكتابة ، وفي العرف يعجز عن مخاطبة الغائبين فيكتب إليهم ويشترط عندهم في ذلك الكتابة على بياض دون الحدقة واللوح ، ويشترط أن يكتب مرسوما على الورق مستثبتا ; لأنه العادة ، وإلا احتمل أن يكون تجربة لقلم ، ولو كتب على الشروط المذكورة وخرقه جازت الشهادة عليه عندهم ; لأن التقطيع كالرجوع عن الإقرار ، ولا يشهد واجد الصك إلا أن يشهدهم ; لأن الصكوك قد تكتب قبل القبض بخلاف الرسالة عندهم ، ومنعوا من الشهادة عليه ، وإن سمعوه الشهود بين ( كذا ) بالبيع والشراء في أداء الصك ، قالوا : لأنه قد يقول ذلك في الصكوك فيك قبل تمام المعاملة حتى يقول : اشهدوا علي ، ولو قال : اشهدوا على ما فيه لم يجز حتى تقرأ عليهم أو يعاينوا الخط ; لأن الإشهاد هو الإعلام ، ولم يعلمهم ، وقد نقل مذهبا لـ ( ش ) في الخط ولا يعتبر عند الحنفية كتابة البسملة ; لأنه لا يقوم مقام الخطاب ، بل للتذكرة ، فبقيت العبرة بالكتابة ، وهي تحتمل تجربة القلم وغيرها مما لا يجزمه ، ففرقوا بين الرسالة والحساب والصك ، فهذا جميعه منقول من كتب الحنفية ، وعند الحنابلة ألفاظ اختصوا بنقلها ، أنا ذاكرها إن شاء الله تعالى ، قالوا : إذا قلت : لي مائة ، فقال : قضيتك منها خمسين ، ليس بإقرار ; لأن الخمسين التي ذكر في كلامه ما يمنعها وهو قوله قضيتها ، وغير المذكورة لم يذكرها ، وقوله منها يحتمل مما يدعيه أو مما علي فلا يلزمه [ ص: 275 ] شيء بالشك ، وإذا أقر بدراهم في بلد أوزانهم ناقصة أو مغشوشة لزمه دراهم البلد كالبيع والأثمان ، وقيل : إن الموزنة الجيدة ، والفرق أن البيع إنشاء في [ . . . ] فيغلب بعادة البلد ، والإقرار إخبار عن أمر سابق لا يدري كيف كان ، وكذلك القول إذا فسر بغير سكة البلد ، وسكة البلد أجود ، وبالقبول قال ( ش ) : وله علي درهم كبير ، لزمه درهم إسلامي ; لأنه كبير في العرف ، ودريهم كدرهم ; لأن التصغير قد يكون في الذات دون الوزن والاحتقار عنده ، وإن قال : له علي درهم ثم قال درهم لزمه درهم عندهم ، وقاله ( ش ) ; لأن الله تعالى كرر الخبر عن الأنبياء عليهم السلام ، والمخبر عنه واحد ، وقال ( ح ) : يلزمه درهمان ; لأن الأصل عدم التأكيد والترادف ، وقال القاضي في الإشراف : يغرمه درهم واحد ، كان في مجلس أو مجالس ، في يوم أو أيام وحكى ( ح ) الأصل في المجلس الواحد ، وفي المجالس يلزمه درهمان ، قالوا : فإن وصف أحدهما وأطلق الآخر فكذلك ; لأن المطلق يحمل على المقيد ، فإن وصفه أولا بصفة ، وثانية بأخرى ، فإن قال : من ثمن مبيع ، وقال في الأخرى : من قرض أو في الأولى من ثمن عبد ، وفي الثانية من ثمن شماذرها ( كذا ) لتعذر اجتماع الصفتين ، وله علي درهم ودرهم أو درهم بدرهم لزمه درهمان ، وقاله ( ح ) ، وقال ( ش ) يلزمه درهم إذا قال بدرهم تقديره فدرهم لازم لي ، ووافقه في الواو وثم ووافقه في أنت طلاق تلزمه طلقتان ، وله علي درهم بل درهمان أو درهم لكن درهمان لزمه درهمان ، وقاله ( ش ) ; لأنه نفي الاقتصار على واحد ، وقال : هي ثلاثة ; لأن الإضراب رجوع عن الإقرار ، فلا يقبل ، وله علي درهم بل درهم أو لا درهم ، يلزمه درهم ، وقاله ( ش ) ; لأنه أقر بدرهم مرتين كما لو أقر بدرهم فأنكره ، ثم قال : بل علي درهم ، وقيل : درهمان ; لأن الإضراب لا يقبل ; لأنه رجوع وإقراره بالثاني يلزم ، كما لو قال : درهم بل دينار فيلزمه الأمران إجماعا ; لأن الأول لا يمكن أن يكون الثاني ولا بعضه وله علي درهمان بل درهم أو [ ص: 276 ] عشرة بل تسعة ، لزمه الأكثر عندهم ; لأنه بقي ما أقر به بخلاف الاستثناء ; لأنه تكلم بالباقي عنده ، فليس نفيا وله علي درهم ، فله درهم ، أو بعده درهم ، لزمه درهمان ، وإن قال : قبله درهم وبعده درهم لزمه ثلاثة ، وله علي درهم فوق درهم أو تحت درهم أو مع درهم أو معه درهم لزمه درهم واحد ، وهو أحد قولي ( ش ) ; لأنه يحتمل درهم في الجودة أو فوق درهم لي ، وقيل : درهمان وقاله ( ح ) في قبله فوقه درهم ; لأن فوق تقتضي الزيادة وفي قبله تحت يلزمه درهم ، وكذلك له درهم قبله دينار ، أو بعده قفيز حنطة ، وفوقه أو تحته كما تقدم في الدرهم سواء ، وله علي ما بين ستة وعشرة لزمه ثمانية ، ومن درهم إلى عشرة فعندهم أقوال يلزمه تسعة ، وقاله ( ح ) ; لأن من لابتداء الغاية منها ، وإلى لانتهائها ، فلا يدخل فيها كقوله تعالى : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) . وثمانية ; لأن الحدين لا يدخلان وعشرة ; لأن العاشر أحد الطرفين ، فيدخل الأول كما لو قال : قرأت القرآن من أوله إلى آخره ، فإن قال : أردت نقول : مجموع الأعداد أي الواحد والاثنان كذلك عندي عشرة لزمه خمسة وخمسون ، وله علي دراهم يلزمه ثلاثة وحكاه صاحب الإشراف عن مالك على الخلاف في أقل الجمع ، ووافق ( ش ) مالكا ، قالوا : ودراهم كثيرة أو وافرة أو عظيمة لزمه ثلاثة ، وقاله ( ش ) لأنها عظيمة و ( ح ) لا يقبل تفسيره بدون العشرة لأنها أقل جمع الكثرة ، وقال أبو يوسف : لا يقبل أقل من المائتين لأنها نصف الزكاة ، وله درهمان في عشرة ، وقال : أردت الحساب ، لزمه عشرون أو قال : أردت مع عشرة ولم يكن يعرف الحساب ، اثنا عشر لأنها عبارة العوام ، أو قال : أردت درهمين في عشرة لي لزمه درهمان في دينار ، وقال : أردت العطف وكفى ، لزمه إلا [ . . . ] أسلمتها في دينار ، وصدقة المقر له ، بطل إقراره ; لأن إسلام أحد [ . . . ] الآخر لا يصح ، وإن كذبه لم يقبل منه ; لأنه وصل إقراره .

                                                                                                                [ ص: 277 ] بما يبطله ، وله علي درهم أو دينار فهو مقر بما بعدهما ; لأن أو وإما في الخبر للشك ، ويرجع إلى تفسيره ، وإن قال : إما درهم وإما درهمان ، فهو إقرار بدرهم ، والثاني مشكوك فيه لا يلزمه ، وله تسعة وتسعون درهما أو ألف وثلاثة دراهم ، فالجميع دراهم أو ألف ومائة درهم فكذلك قوله تعالى : ( إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ) . وكذلك ألف ودرهم أو ألف وثوب أو ألف درهم وعشرة أو ألف ثوب وعشرون ، والمجمل عن جنس المفسر ، وقيل : يرجع في تفسير المجمل إليه لقوله تعالى : ( يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) . فالشيء قد يعطف على غير جنسه ، وقال ( ح ) : إن العطف على المبهم مكيلا أو موزونا فهو تفسير له ، أو مذروعا ومعدودا لم يفسره ; لأن علي لفظ يقتضي الإيجاب في الذمة ، وإذا عطف عليه ما يثبته في الذمة كان تفسيرا ، حجته الأولى أن العرب تكتفي بتفسير أحد الكمالين عن تفسير الآخر ، كقوله تعالى : ( ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا ) . و ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ) . وهذا جميعه منقول من كتب الحنابلة ، وإنما نقلت ما في كتب الفرق من الألفاظ ; لأن في ذلك عونا للفقيه على التخريج ، وأخذه منها ما يوافق قواعد مذهبه فيقيمه على مذهبه ، واطلاعا على أسرار مدارك العلماء .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية