الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 265 ] النوع الموفي ثلاثين

معرفة المشهور من الحديث

ومعنى الشهرة مفهوم ، وهو منقسم إلى‏ : صحيح ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : " ‏إنما الأعمال بالنيات‏ " . ‏ وأمثاله‏ . ‏

وإلى غير صحيح‏ : كحديث‏ : " ‏طلب العلم فريضة على كل مسلم‏ " ‏‏ . ‏

وكما بلغنا عن ‏أحمد بن حنبل‏ رضي الله عنه أنه قال‏ : " أربعة أحاديث تدور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأسواق ليس لها أصل‏ : " من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة " ، و " من آذى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة " ، [ ص: 266 ] و " يوم نحركم يوم صومكم " ، و " للسائل حق وإن جاء على فرس‏ " . ‏

وينقسم من وجه آخر إلى‏ : ما هو مشهور بين أهل الحديث وغيرهم ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : " ‏المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده‏ " ‏‏ . ‏ وأشباهه‏ . ‏

وإلى ما هو مشهور بين أهل الحديث خاصة دون غيرهم ، كالذي رويناه عن محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز ، عن أنس : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 267 ] قنت شهرا بعد الركوع ، يدعو على رعل ، وذكوان‏ " . ‏

فهذا مشهور بين أهل الحديث ، مخرج في الصحيح ، وله رواة عن أنس غير أبي مجلز ، ورواه عن أبي مجلز غير التيمي ، ورواه عن التيمي غير الأنصاري ، ولا يعلم ذلك إلا أهل الصنعة . ‏ وأما غيرهم فقد يستغربونه من حيث‏ : إن ‏التيمي‏ يروي عن ‏أنس ‏‏ ، وهو هاهنا يروي عن واحد ، عن أنس . ‏

ومن المشهور : المتواتر الذي يذكره أهل الفقه وأصوله‏ ، وأهل الحديث لا يذكرونه باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص ، وإن كان ‏الحافظ الخطيب‏ قد ذكره ، ففي كلامه ما يشعر بأنه اتبع فيه غير أهل الحديث ، ولعل ذلك لكونه لا تشمله صناعتهم ، ولا يكاد يوجد في رواياتهم ، فإنه‏ عبارة عن الخبر الذي ينقله من يحصل العلم بصدقه ضرورة ، ولا بد في إسناده من استمرار هذا الشرط في رواته من أوله إلى منتهاه . ‏

[ ص: 268 ] ومن سئل عن إبراز مثال لذلك فيما يروى من الحديث أعياه تطلبه‏ . ‏

وحديث‏ : " ‏إنما الأعمال بالنيات‏ " ليس من ذلك بسبيل ، وإن نقله عدد التواتر ، وزيادة ; لأن ذلك طرأ عليه في وسط إسناده ، ولم [ ص: 269 ] يوجد في أوائله على ما سبق ذكره‏ . ‏

نعم حديث‏ " ‏من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " نراه مثالا لذلك ، فإنه نقله من الصحابة - رضي الله عنهم - العدد الجم ، وهو في ‏الصحيحين‏ مروي عن جماعة منهم‏ . ‏

وذكر ‏أبو بكر البزار الحافظ الجليل‏ في ‏مسنده‏ أنه رواه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو من أربعين رجلا من الصحابة . ‏

وذكر بعض الحفاظ‏ " أنه رواه عنه - صلى الله عليه وسلم - اثنان وستون نفسا من الصحابة ، وفيهم العشرة المشهود لهم بالجنة‏ " . ‏

قال : وليس في الدنيا حديث اجتمع على روايته العشرة غيره ، ولا يعرف حديث يروى عن أكثر من ستين نفسا من الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا هذا الحديث الواحد‏ . ‏

قلت‏ : وبلغ بهم بعض أهل الحديث أكثر من هذا العدد ، وفي بعض ذلك عدد التواتر‏ ، ثم لم يزل عدد رواته في ازدياد ، وهلم جرا على التوالي والاستمرار ، والله أعلم‏ . ‏

التالي السابق


الخدمات العلمية