الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                البحث الثالث

                                                                                                                فيما يعقب الإقرار من المعاني المبطلة له ، وفيه أربع عشرة مسألة .

                                                                                                                الأولى في الجواهر : له علي ألف من ثمن خمر أو ميتة ، لم يلزمه شيء .

                                                                                                                [ ص: 302 ] لأن الكلام بآخره إلا أن يقول الطالب : بل من تمر ، فتلزمه مع يمين الطالب ، وقاله ( ش ) و ( ح ) ; لأنه وصل كلامه فأسقط جملته فيقوم الطالب عليه ، كما لو قال : له عندي عشرة فلو قال : اشتريت منه خمرا بألف ، لم يلزمه شيء ; لأنه لم يقدم في كلامه بسبب لزوم شيء له أو يقتضي عدم اللزوم بخلاف الأول .

                                                                                                                الثانية قال في الجواهر : له علي ألف من ثمن عبد ، ثم قال : لم أقبض ، قال ابن القاسم وسحنون وغيرهما من أصحابنا : يلزمه الثمن ولا يصدق في عدم القبض ، كأنه يكر على الإقرار بالاستثناء المستغرق ، وقيل : يصدق وعلى البائع البينة أنه سلم العبد إليه ; لأن الأصل عدم القبض ، وهو لم يعترف مطلقا بل بثمن العبد ، وكذلك اشتريت منه سلعة بمائة درهم لم أقبضها منه ، القول قوله وعند ( ش ) : إذا قال اشتريت منه سلعة بألف ، ولم يقبضها ، يصدق مع يمينه اتفاقا ، وله علي ألف درهم من ثمن مبيع لم أقبضه ، ووصل قوله فكذلك ، ولم يلزمه تسليم الألف حتى يقبض ، سواء وصل بإنكار القبض أو سكت حتى انقطع كلامه ; لأن الأصل عدم القبض ، وقال ( ح ) : إذا عين المبيع قبل منه وصل الإقرار أم لا ; لأن عين المبيع لا يلزمه ثمنه ، فأشبه ما لو قال : من ثمن خمر بخلاف المعين ، وعند ( ش ) قال : له ألف وسكت حتى ينقطع كلامه ثم قال : من ثمن مبيع لم أقبضه ، لم يقبل منه لاستقرار الإقرار بالسكوت .

                                                                                                                الثالثة في الجواهر : إذا أقر بمال من ثمن خنزير ثم أقام بينة أنه رباه وأنه إنما أقر أنه من ثمن خنزير ، إلا أن يقيم بينة على إقرار الطالب أنه ربا لاضطراب كلامه ، وقال ابن سحنون : تقبل بينته أنه ربا ، ويرد إلى رأس ماله ولا يكون إقراره ملك ( كذا ) بالبينة ، وبالأول قال سحنون .

                                                                                                                الرابعة في الجواهر : علي ألف لا يلزمه ، أو زور أو باطل لزمته إن صدقه غريمه في الملك وكذبه في قوله زور وباطل ، كما لو قال : له عشرة إلا عشرة ، وإن صدقه فيهما لم يلزمه شيء لاعتراف المقر له بالسقط .

                                                                                                                [ ص: 303 ] الخامسة ، في الجواهر : له علي مائة قضيتها لا يقبل قوله في القضاء ، كما لو قال : له علي مائة إلا مائة ، وقاله ( ش ) : ولو ادعى القضاء قبل الإقرار وقامت البينة لم تمنع دعواه ولا يمينه ; لأنه كذبها بإقرار ، والإقرار أقوى من الدعوى إلا أن يقول بعد الإقرار : وما قبضتها ، ولم يقبل قبل الإقرار فسمع ببينة [ . . . ] الإقرار حينئذ .

                                                                                                                السادسة في الجواهر : له علي ألف إن شاء الله تعالى ، لزمه الألف ولا ينفعه الاستثناء ; لأن الإقرار خبر عن الواقع ، والواقع لا يقبل التعليق على الشروط ، وقاله ( ح ) ، وقال : إلا أن يكون الشرط نحو إن جاء رأس الشهر أو جاءني بعبدي الآبق ; لأن هذا الإقرار إخبار عن حصول المسبب ، ولا يلزمه شيء حتى يحصل ذلك الشرط .

                                                                                                                السابعة ، في الجواهر : علي ألف فيما أظن أو ظننت أو أحسب أو حسبت لزمه ; لأن حقوق العباد وحقوق الله تعالى تكفي فيها الظنون ، وقال محمد : إذا قال فيما أعلم وفي علمي أو فيما يحضرني فهو شك لا يلزم بدليل الشهادة .

                                                                                                                الثامنة في الجواهر : له ألف مؤجلة ، لزمته مؤجلة إذا كان الأجل غير مستنكر ، وقاله ( ش ) ; لأن التأجيل لا يسقط الحق بل ليقضيه ( كذا ) فهو استثناء البعض ، وقيل : يحلف المقر ويستحقه حالا ، وقاله ( ح ) ; لأنه رفع المطالبة في الحال فيسقط التأجيل ، كما لو قال : قضيتها وذكر الأجل بعد الإقرار لم يقبل اتفاقا بين الأئمة ، ولو قال : علي ألف مؤجل من جهة القرض ; لأنه شأن القرض ، أما إن يدعي الطالب الحلول صدق مع يمينه ; لأن الأصل عدم الاشتراط .

                                                                                                                التاسعة في الجواهر : من كتاب ابن سحنون : له علي مائة درهم إن حلف أو إذا حلف أو متى حلف أو حين يحلف أو مع يمينه أو في يمينه [ ص: 304 ] أو بعد يمينه ، فحلف المقر ونكل المقر له ، وقال : ما ظننت أنه يحلف ، لا يلزمه شيء ; لأن ظاهر حال اشتراطه ذلك إذ لم يعترف بشيء ، وقال ابن عبد الحكم : إن حلف وإن ادعاها ، أو [ . . . ] على حلفها بالعتق أو بالطلاق أو بالصدقة أو قال : استحل ذلك ، وإن كان يعلم أنها له وإن أعارني رداءه ، أو دابته ، أو قال : إن شهد بها على فلان فشهد بها عليه ، فلا يلزمه شيء في هذا كله ; لأن ظاهر حاله عدم الإقرار ، وأما إن قال : إن حكم بها فلان لرجل ، سماه ، فتحاكما إليه ، فحكم بها عليه لزمه ; لأنه علق اللزوم على سببه ، فيلزمه عند حصول سببه ، بخلاف الشروط الأولى ليست أسبابا بل استبعادات ، وعند ( ش ) إن جاء رأس الشهر فله مائة ، قولان ، وإن قال : إن شهد شاهدان لم يلزمه شيء شهدا أم لا ، وكذلك إن شهد فلان علي صدقته ، لأنها وعود عنده ، وقد يصدق من ليس بصادق .

                                                                                                                العاشرة في الجواهر : له علي مائة وديعة لا تكون إلا وديعة ; لأنه لم يعترف على ذمته بشيء ، والأصل براءتها ، وعلى مستعمل الوجوب التسليم ، والوديعة يجب تسليمها ، وكذلك لو قال : دين لم يلزمه إلا دينار ، وقال ( ش ) : وإن قال قبلي ، أوله علي مائة درهم دينا وديعة ، لزمته دينا ; لأنه قال : يتعدى في الوديعة فتصير دينا .

                                                                                                                الحادية عشرة في الجواهر : لك هذه الشاة أو هذه الناقة فلك الشاة ، ويحلف المقر ما أقر بالناقة تلك ; لأن عدوله إلى الناقة إبطال للشاة فلا يسمع منه ، ولو حلف : ما لك فيها جميعا شيء ، وادعيت كلها ، لم يقبل قولك في الناقة ، فالقول للمقر في الشاة ; لأنه لم يجزم لك بالناقة لأخذ الشاة دون الناقة تبقى ( كذا ) في المقر .

                                                                                                                الثانية عشرة ، في الجواهر : غصبت هذا العبد من فلان ، ثم قال : لا بل من فلان ، ففي كتاب ابن سحنون : هو للأول مع يمينه ; لأن الثاني ذكره إبطال ، [ ص: 305 ] فلا يسمع ، وللآخر قيمته يوم القبض مؤاخذة له بإقراره بحسب الإمكان .

                                                                                                                الثالثة عشرة ، في الجواهر : قال : في ثوبين في يد أحد [ . . . ] ، وقال : لا أدري أيهما هو ، حلف المقر له أن أجودها للمقر له ، فإن حلف [ . . . ] وإن نكل حلفت ، وكنتما شريكين في الثوبين ، وكذلك إن نكلتما أو حلفتما إلا أن يقول : لا أعرفه ، فيقول المقر له : أنا أعرفه ، فيؤمر بتعيينه ، فإن عين أدناهما أخذه ، أو أجودهما أخذه بعد الحلف للتهمة في الجودة ، ولو قال المقر : أدناهما هو ثوبه ، حلف ولم يأخذ ; لأن الأصل عدم ملك الزيادة لك ، ولو قال : لك علي درهم أو على فلان [ . . . ] الإقرار اللازم على نفسه ، ويحلف ، قال الشيخ أبو محمد : على أصل سحنون يلزمه دون فلان ; لأن الكلام الثاني رافع لجملة الأول ، فيبعد ضده فلو قال عشرة العشرة ( كذا ) .

                                                                                                                الرابعة عشرة ، قال القاضي بن مغيث في وثائقه : إذا أقررت بمائة درهم [ . . . ] وقال الطالب : بل [ . . . ] المقر مع يمينه عند ابن القاسم وأهل العراق وكذلك لو قال : أنا أقررت لك في نومي أو قبل أن أخلق ; لأن الأصل براءة ذمته ولو بحاله يغرم فيها شيء ، ويلزمه عند سحنون ، وإن قال : أموري العقد ، فإن علم أن ذلك إجابة صدق ، وإلا فلا ; لأن الأصل عدم عروض هذه الحالة ، بخلاف [ . . . ] وإن أقر سالم - وقد كان مشتركا محاربا - أنه أخذ ألف درهم في حرابته ، وقال : بل بعد إسلامك ، لم يلزمه شيء عند ابن القاسم لما تقدم ، ويلزمه عند سحنون ; لأن الحربي يضمن ولو أقر المسلم المقر له [ . . . ] من الحربي في دار الحرب مائة دينار ، وقال الحربي : بل بعد الإسلام ، صدق المسلم عند ابن القاسم ، وصدق الحربي عند سحنون .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية