الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 306 ] الباب الرابع في الإقرار بالنسب

                                                                                                                وهو أصل الإقرار وفي الجواهر : إن قال [ . . . ] هذا إنه التحق به سالم فكذبه لأجل [ . . . ] يكون أكفر منه أو الشرع ( كذا ) بأن يكون مشهور النسب ويعرف كل [ . . . ] والرجل فارسيا ، فلا يلحق به ; لأن الإقرار إخبار ، والخبر الكاذب لا عبرة به ، قال [ . . . ] ولا يكذب حر [ . . . ] النسب لحق به عند ابن القاسم ; لأنه الضرورة [ . . . ] الدين [ . . . ] غيره [ . . . ] كانت [ . . . ] ضرورته لبراءة ذمته من الديوان ، وقال سحنون : لا يلحق ولا ملك يمين ; لأن عدم الفراش سبب عدم النسب ، كما أن الفراش سببه [ . . . ] هنا يلحق به ، لا يلتفت لإنكار الولد صغيرا كان أو كبيرا ; لأن النسب حق الله تعالى ليس له إبطاله ، والله أعلم به منه ، فيقدم عليه ، ووافقنا ( ش ) وابن حنبل في الشروط المتقدمة ، ولا يشترط أن يكون الملحق مسلوب العمارة ، ( كذا ) والكبير عندهما ، فلا بد من موافقته ، كما لو أقر له بمال ، والفرق حق الله تعالى في النسب ، كما لو أقر له بالجزية لا بد من موافقته .

                                                                                                                وفي هذا الباب أربعة عشر فرعا .

                                                                                                                الأول ، في الجواهر : إذا قال في أولاد أمته : أحدهم ولدي ، وهم ثلاثة ، ولم يعرف عينه ، فالصغير منهم حر وحده ; لأنه إن كان هو الولد فهو حر ، أو الأكبر [ ص: 307 ] فقد صارت الأم أم ولد ، وأولادها بمنزلتها في الحرية ، فالصغير حر ، أو الأوسط ، تعينت الحرية له ، وللصغير دون الكبير ; لأنه ابنها قبل أن تصير أم ولد فهو رقيق ، وقال المغيرة : يعتق الأصغر وثلث الأوسط وثلث الأكبر ; لأن الصغير حر على كل تقدير ، والأوسط حر في وجهين رقيق في وجه ، والأكبر حر على تقدير واحد عبد على تقديرين ، وقال ابن عبد الحكم : يعتقون كلهم ، للشك في السبب المبيح لمنافعهم في السبب ( كذا ) ، يصح ترتب السبب ، فلو ادعى الصغير وادعت أمهم الأوسط والكبير ، فالقول قوله ; لأنه حق تعلق به فيصدق كالمال ، ولو أقر له الأوسط خاصة لزمه هو والأصغر إن ادعته الأم منهم ، لأنها صارت فراخا ( كذا ) بالأوسط فيلحقه بأمه بعده ، إلا أن يدعي الاستبراء فيه ، وإن اعترف بالكبير لزمه الجميع إن ادعت الأم الآخرين إلا أن يدعي الاستبراء فيها ، وإلا فلا ، والقول قوله ، لا يلحق به من لم يلحق به [ . . . ] ولدهم ولده .

                                                                                                                الثاني لو ولدت زوجة رجل غلاما وأمته غلاما وماتتا ، فقال الرجل : أحدهما لي ولا أعرفه ، دعي لهما القافة ، فمن ألحقوه به لحق به ، ويلحق بالآخر الآخر .

                                                                                                                الثالث ، لو نزل رجل ضعيف على رجل ، وله أم ولد حامل ، فولدت هي وولدت امرأة الضعيف في ليلة صبيين ، ولم يعرف واحد منهما ولده ، وقد أعيي ( كذا ) أحدهما وبقي الآخر دعي لهما القافة ; لأنه لا مرجح لأحدهما ، وقال سحنون فيمن ولدت امرأته جارية وأمته جارية وأشكل عليه ولد الحرة منهما ، ومات الرجل ولم يدع عصبة ليستدل بها القافة على ولد الميت : ليس في مثل هذا قافة ولا تكون المواريث بالشك ، وفي كتاب محمد بن ميسر في امرأة طرحت بنتها ثم عادت لأخذها فوجدتها وأخرى معها ، ولم تعرف بنتها منهما ، قال ابن [ ص: 308 ] ‌‌‌‌‌‌ القاسم : لا تلحق بزوجها واحدة منهما ; لأنه لا ميراث ولا نسب بالشك ، وقال سحنون : يدعى لهما القافة ; لأنه سبب ينقل عن الشك ، وقال عبد الملك وسحنون : لا تلحق القافة إلا بأب حي ، فأما إن مات الأب فلا يقبل القافة في ذلك ; لأنه لا يقبل على نسبه غير الأب ، وقد فقد .

                                                                                                                الرابع قال : إذا أقر عند موته أن فلانة جاريته ولدت منه ، وأن بنتها فلانة ابنته ، وللأمة ابنتان أخريان ، ثم مات ، ويثبت البينة والورثة اسمها ، وأقر بذلك الورثة ، فهن كلهن أحرار ، ولهن الميراث ميراث واحدة ، لأنها [ . . . ] والبنات تبع لأجل اللبن كاختلاط المذكاة بالميتة ، وأخت الرضاع بالأجنبية ، فيقتسمنه ، ولا يلحق نسب واحدة من البنات ، فإن لم يقر الورثة بذلك ونسيت البينة اسمها ، فلا تعتق واحدة منهن لعدم ثبوت السبب بالإقرار والبينة .

                                                                                                                الخامس في الجواهر : إذا استلحق ولده ، ثم أنكره ، ثم مات الولد عن مال ، قال ابن القاسم : يوقف المال ، فإن مات المستلحق كان لورثته ، وقضي به دينه ، فإن قام غرماؤه وهو حي أخذوه في ديونه .

                                                                                                                السادس في الجواهر : إذا تعدى الإقرار المقر بأن يقر بغير الولد فيضر الولد أو بأخوة أو عمومة فهو إقرار على الغير بالنسب فلا يقبل ، ولا يثبت له بذلك نسب ، إن كان له ولد معروف فلا يرث هذا منه شيئا ، وإن لم يكن له وارث معروف ولا مال عند هذا الذي أقر له فإنه يرثه بذلك الإقرار ، سواء كان ذلك في الصحة أو في المرض ، لتعين الإقرار له ، إلا أن يأتي وارث معروف بالبينة ، فهو أحق ، كمن ادعى مالا وشهد به لغيره ، وقال سحنون : لا يرث وإن لم يكن له وارث معروف ; لأن المسلمين يرثونه ، فهم كالوارث المعروف ، وسبب الخلاف هل بيت المال كالوارث المعروف أم لا ، وهو سبب الخلاف في تنفيذ وصية من لا وارث له إلا بيت المال بجميع ماله .

                                                                                                                السابع في الجواهر : إذا شهد عدلان بالعتق ثبت الولاء أو شاهد واحد .

                                                                                                                [ ص: 309 ] ففي الموازية : لا يثبت ولاء ، ويستأني بالمال ، فإن لم يأت من يستحقه حلف هذا ودفع إليه ; لأن المال يثبت بالشاهد واليمين ، ومنع أشهب حتى يثبت الولاء بشاهدين ; لأنه أصل المال ، وعدم ثبوت الأصل يمنع الفرع ، ولو شهد عدلان أنهما لم يزالا يسمعان أن فلانا يذكر أن فلانا ابن عمه أو مولاه ، قال ابن القاسم : هو كشاهد واحد إن لم يكن للمال طالب غيره أخذه مع يمينه بعد الثاني لرجحان السبب في حقه من غير معارض ، وإن لم يكن للمال له طالب غيره أثبت من هذا ، وهو أولى بالميراث لرجحانه عليه ، ولا يثبت للأول هاهنا نسبه ، وروى أشهب أنه يثبت بذلك الولاء ; لأنه في معنى الاستفاضة والسماع ، ولكن يتأنى فلعل أحدا يأتي بأولى من ذلك .

                                                                                                                الثامن في الجواهر : إذا أقر الوارث بوارث آخر يشاركه فإنه يثبت بذلك الإرث دون النسب ، ولو أقر ولد بولد آخر لم يثبت نسبه ، وإن لم يكن وارث سواه ; لأن النسب يتعدى للغير ويثبت بالإقرار ، لكن يقسم المال بينهما على السوية إن كانا من جنس واحد ، وعلى التفاضل إن كانا من جنسين ، فإن كانا ابنين فأقر أحدهما بثالث ، فإن وافق الثاني اقتسموا المال بينهم أثلاثا ، وإن لم يصدقه أعطاه المقر ما بيده [ . . . ] القسمة على الإنكار على القسمة على الإقرار ; لأن إقراره لا يتعداه ضرورة ، وإن كان المقر عدلا أخذ باقي نصيبه من المنكر ; لأنه شهادة بسبب العدالة تتعدى للغير ، فقد يبين المقر له ولو شهدا جميعا بالنسب ، وهما خلاف يثبت النسب ويرث [ . . . ] ولو ترك ولدا واحدا ، فقال لأحد الشخصين : هذا ابني ، بل هذا الآخر ، فللأول نصف ما ورث عن أبيه ; لأنه مقتضى أول إقراره ، واختلف فيما يأخذه الثاني منه ، فقيل : نصف ما بقي في يده تسوية ، وقيل : له جميعه ; لأنه أتلفه عليه موروثه ، ولو ترك أما وأخا ، فأقرت بأخ آخر ، فإنها تعطيه نصف ما بيدها ، وهو السدس لأنها اعترفت أنها لا تستحق إلا السدس ، فيأخذه المقر له وحده ، وعليه جماعة [ ص: 310 ] الأصحاب ، وروي يقسمه وهو [ . . . ] عن الابنين الأخوين ، وقد وقع خلافه في بعض هذه المسائل ، أنا ذاكره إن شاء الله ، قال الطرطوشي : إذا أخر أحد الابنين [ . . . ] وصدقه المقر له لم يثبت النسب [ . . . ] ويختص ما يأخذه المقر إلا أن يكون المقر عدلا فيحلف مع شاهده ويأخذ من الآخر حقه ، ولا يثبت بذلك نسبه من السيد ، فإن مات المقر لم يرثه المقر له ، بل أخوه الثابت النسب إلا أن يموت أخوه الثابت النسب ، قال سحنون : فيرثه لعدم المزاحم ، وإن مات المقر له ورثه المقر لاعتراف المقر أن الآخر يستحق النصف ، لقوله هو أخوه ، وافقنا ( ح ) في عدم النسب والمشاركة فيما في يده [ . . . ] ، وقال : لا يعطيه نصف ما بيده ; لأن السدس معه زائد فوجب إقراره فيعطيه خاصة ، وقاله ابن حنبل ، وقال ( ش ) : لا يثبت النسب [ . . . ] ; لأنه لا يتبعض في حق المقر دون غيره ، فلا جرم لم يثبت إجماعا ، ولا يثبت الإرث ; لأنه فرعه ، وأصل المسألة أن موجب الإقرار عندنا الشركة ، وعنده النسب .

                                                                                                                لنا أن الميراث متعلق بالتركة فيتعلق إقراره بها ، كما إذا أقر بدين على أبيه وجحده الآخر ، ولأنه أقر بأمرين أحدهما على غيره والآخر على نفسه ، فثبت فيما يتعلق به خاصة وهو المال ، كما قال : بعت منك هذا العبد بألف وأعتقه ، يلزم البيع دون العتق ، أو قال لعبده : أعتقك على ألف ، يلزم العتق ولا شيء له على العبد ، أو قال : هذه أختي ، حرم عليه زواجها ، ولا يثبت نسبها ، ولو قال : بعت هذا الشقص وأنكر المشتري ، ثبتت الشفعة دون الشراء ونظائر ذلك كثيرة من الإقرار المركب فهذا مثله .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية