الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله : ( وتعالى عن الحدود والغايات ، والأركان والأعضاء والأدوات ، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات ) .

ش : أذكر بين يدي الكلام على عبارة الشيخ رحمه الله مقدمة ، وهي : أن الناس في إطلاق مثل هذه الألفاظ ثلاثة أقوال : فطائفة تنفيها ، وطائفة تثبتها ، وطائفة تفصل ، وهم المتبعون للسلف ، فلا يطلقون نفيها ولا إثباتها إلا إذا بين ما أثبت بها فهو ثابت ، وما نفي بها فهو منفي . لأن المتأخرين قد صارت هذه الألفاظ في اصطلاحهم فيها إجمال وإبهام ، كغيرها من الألفاظ الاصطلاحية ، فليس كلهم يستعملها في نفس معناها اللغوي . ولهذا كان النفاة ينفون بها حقا وباطلا ، ويذكرون عن مثبتيها ما لا يقولون به ، وبعض المثبتين لها يدخل فيها معنى باطلا ، مخالفا لقول السلف ، ولما دل عليه الكتاب والميزان . ولم يرد نص من الكتاب ولا من السنة بنفيها ولا إثباتها ، وليس لنا أن [ ص: 261 ] نصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه ولا وصفه به رسوله نفيا ولا إثباتا ، وإنما نحن متبعون لا مبتدعون .

فالواجب أن ينظر في هذا الباب ، أعني باب الصفات ، فما أثبته الله ورسوله أثبتناه ، وما نفاه الله ورسوله نفيناه . والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي ، فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني . وأما الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا إثباتها فلا تطلق حتى ينظر في مقصود قائلها : فإن كان معنى صحيحا قبل ، لكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص ، دون الألفاظ المجملة ، إلا عند الحاجة ، مع قرائن تبين المراد والحاجة مثل أن يكون الخطاب مع من لا يتم المقصود معه إن لم يخاطب بها ، ونحو ذلك .

والشيخ رحمه الله أراد الرد بهذا الكلام على المشبهة ، كداود الجواربي وأمثاله القائلين : إن الله جسم ، وإنه جثة وأعضاء وغير ذلك ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا . [ ص: 262 ] فالمعنى الذي أراده الشيخ رحمه الله من النفي الذي ذكره هنا حق ، لكن حدث بعده من أدخل في عموم نفيه حقا وباطلا ، فيحتاج إلى بيان ذلك . وهو : أن السلف متفقون على أن البشر لا يعلمون لله حدا ، وأنهم لا يحدون شيئا من صفاته .

التالي السابق


الخدمات العلمية