الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1488 (6) أبواب الاستسقاء

                                                                                              (1) باب

                                                                                              الخروج إلى المصلى لصلاة الاستسقاء ، وكيفية العمل فيها

                                                                                              [ 764 ] عن عبد الله بن زيد المازني ، قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى فاستسقى ، وحول رداءه حين استقبل القبلة .

                                                                                              وفي رواية : خرج إلى المصلى يستسقي ، وأنه لما أراد أن يدعو استقبل القبلة وحول رداءه .


                                                                                              وفي أخرى : فجعل إلى الناس ظهره يدعو الله ، واستقبل القبلة ، وحول رداءه ، ثم صلى ركعتين .

                                                                                              وفي أخرى : قلب رداءه ، وصلى ركعتين .

                                                                                              رواه البخاري (1005)، ومسلم (894) (1 و 2 و 3 و 4)، وأبو داود (1661 - 1164)، والترمذي (556)، والنسائي (3 \ 155 و 157) .

                                                                                              [ ص: 538 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 538 ] (6)

                                                                                              ومن أبواب صلاة الاستسقاء

                                                                                              حديث عبد الله بن زيد يقتضي : أن سنة الاستسقاء الخروج إلى المصلى ، والخطبة ، والصلاة ، وبذلك قال جمهور العلماء . وذهب أبو حنيفة إلى : أنه ليس من سنته صلاة ولا خروج ، وإنما هو دعاء لا غير . وهذا الحديث وما في معناه يرد عليه ، ولا حجة لأبي حنيفة في حديث أنس ; إذ فيه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا من غير صلاة ولا غيرها ; لأن ذلك كان دعاء عجلت إجابته ، فاكتفى به عما سواه ، ولم يقصد بذلك بيان سنة الاستسقاء ، ولما قصد البيان بين بفعله ; كما في حديث عبد الله بن زيد . وظاهر هذا الحديث : أن الخطبة مقدمة على الصلاة ; لأنه جاء فيه بـ ثم التي للترتيب والمهلة ، وبذلك قال مالك في أول قوليه ، وهو قول كثير من الصحابة . والجمهور : على أن الصلاة مقدمة على الخطبة ، وإليه رجع مالك ، وهو [ ص: 539 ] قوله في الموطأ ، وكان مستند هذا القول : رواية من روى هذا الخبر بالواو غير المرتبة بدل ثم ، وما روي عن إسحاق بن عيسى بن الصباغ عن مالك : أنه - صلى الله عليه وسلم - بدأ بالصلاة قبل الخطبة ، وهذا نص . ويعتضد هذا بقياس هذه الصلاة على صلاة العيدين ; لسبب أنهما يخرج لهما ، ولهما خطبة . ولم يذكر في حديث عبد الله بن زيد هذا : أنها يكبر لها كما يكبر في العيد ، ولذلك لم يصر إليه أكثر العلماء : مالك وغيره . وقد قال بالتكبير فيها جماعة ; منهم : ابن المسيب ، وعمر بن عبد العزيز ، والشافعي ، والطبري ، وحجتهم : حديث ابن عباس الذي خرجه أبو داود ، قال فيه : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متذللا ، متواضعا ، متضرعا ، حتى أتى المصلى ، فرقي على المنبر ولم يخطب خطبتكم هذه ، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير ، ثم صلى ركعتين ، كما يصلي في العيد ، وهذا لا ينتهض حجة ، فإنه يصدق على التشبيه ، وإن كان من بعض الوجوه ، ولا يلزم التشبيه من كل الوجوه ، إلا في شبيه ومثيل ; للمبالغة التي فيه ; فإن العرب تقول : زيد كالأسد ، وكالبحر ، وكالشمس ; تريد بذلك أنه يشبهه في وجه من الوجوه ، على أن هذا الحديث قد رواه الدارقطني ، وقال فيه : صلى ركعتين ; كبر في الأولى بسبع تكبيرات ، وقرأ : بـ (سبح اسم ربك الأعلى)، وقرأ في الثانية : (هل أتاك حديث الغاشية) وكبر خمس تكبيرات ، وهذا نص ، غير أن هذا الطريق في إسناده محمد بن عمر بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ضعيف الحديث ، ذكره ابن أبي حاتم . ولا خلاف في أنه يجهر فيهما بالقراءة ، وقد ذكره البخاري ، ويخطب فيهما خطبتان ، يجلس في أولاهما ووسطهما ، وهو قول مالك والشافعي ، وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن وعبد الرحمن بن مهدي : يخطب خطبة واحدة لا جلوس فيها ، وخيره الطبري .

                                                                                              [ ص: 540 ] وقوله : استسقى ، وحول رداءه ، وقلب رداءه : استسقى : استفعل ; أي : طلب السقيا بتضرعه ودعائه ، وإنما قلب رداءه على جهة التفاؤل ; لانقلاب حال الشدة إلى السعة . وجمهور العلماء على أنه سنة ، على ما تضمنه هذا الحديث ، وأنكره أبو حنيفة ، وضعفه ابن سلام من قدماء العلماء بالأندلس ، والحديث حجة عليهم . ثم الذين قالوا بالتحويل اختلفوا ; فمنهم من قال : إنه يرد ما على يمينه على شماله ، ولا ينكسه ، وهم الجمهور ، وقال الشافعي بمصر : ينكسه ، فيجعل ما على رأسه أسفل ، وسبب هذا الخلاف : اختلافهم في مفهوم قول الصاحب : حول وقلب ، هل هما بمعنى واحد ، أو بينهما فرقان ؟ ثم هل يحول الناس أرديتهم إذا حول الإمام أم لا ؟ قال مالك : نعم ، وقال الجمهور : لا . ومتى يحوله ؟ فقيل : بين الخطبتين ، وقيل : عند الإشراف عليهما ، والقولان لمالك ، والثاني هو المشهور عنه ، وبه قال الشافعي .

                                                                                              ثم هل يرجع بعد تمام دعائه فيذكر الناس أو لا ؟ قولان . ولا خلاف في تحويل الإمام وهو قائم ، وتحويل الناس - عند من يقول به - وهم جلوس .




                                                                                              الخدمات العلمية