الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 569 ] ثم دخلت سنة ست وستين ومائتين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في صفر منها تغلب أساتكين على بلد الري وأخرج عاملها منها ، ثم مضى إلى قزوين فصالحه أهلها فدخلها وأخذ منها أموالا جزيلة ، ثم عاد إلى الري فمانعه أهلها عن الدخول إليها فقاتلهم ودخلها قهرا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها أغارت سرية من الروم على ناحية ديار ربيعة فقتلوا وسبوا ومثلوا وأخذوا نحوا من مائتين وخمسين أسيرا ، فنفر إليهم أهل نصيبين وأهل الموصل فهربت منهم الروم ورجعوا إلى بلادهم لعنهم الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها ولي عمرو بن الليث شرطة بغداد وسامرا لعبيد الله بن طاهر ، وبعث إليه أبو أحمد بالخلعة وخلع عليه عمرو بن الليث أيضا ، وأهدى إليه عمودين من ذهب ، وذلك مضافا إلى ما كان يليه أخوه من البلدان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها سار أغرتمش لقتال علي بن أبان المهلبي بتستر ، فأخذ من كان في السجن من أصحاب علي بن أبان المهلبي من الأمراء فقتلهم عن آخرهم ، ثم سار إلى علي بن أبان فاقتتلا قتالا شديدا في مرات عديدة ، وكان آخرها لعلي بن أبان المهلبي ، قتل خلقا كثيرا من أصحاب أغرتمش وأسر بعضهم فقتلهم ، وبعث برءوسهم إلى الخبيث صاحب الزنج فنصب رءوسهم على سور مدينته ، قبحه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 570 ] وفيها وثب أهل حمص على عاملهم عيسى الكرخي فقتلوه في شوال منها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها دعا الحسن بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن حسين الأصغر العقيقي أهل طبرستان إلى نفسه وأظهر لهم أن الحسن بن زيد قد أسر ولم يبق من يقوم بهذا الأمر غيره فبايعوه ، فلما بلغ ذلك الحسن بن زيد ، قصده فقاتله فقتله ونهب أموال من اتبعه وحرق دورهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها وقعت فتنة بالمدينة ونواحيها بين الجعفرية والعلوية ، وتغلب عليها رجل من أهل البيت من سلالة الحسن بن زيد الذي تغلب على طبرستان وجرت شرور كثيرة هنالك بسبب قتل الجعفرية والعلوية يطول ذكرها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها وثبت طائفة من الأعراب على كسوة الكعبة فانتهبوها ، وصار بعضها إلى صاحب الزنج وأصاب الحجيج منهم شدة عظيمة وبلاء شديد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها أغارت الروم أيضا على ديار ربيعة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها دخل أصحاب صاحب الزنج إلى رامهرمز فافتتحوها بعد قتال طويل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها دخل ابن أبي الساج مكة فقاتله المخزومي فقهره ابن أبي الساج وحرق داره واستباح ماله ، وذلك يوم التروية في هذه السنة ، وقد جعل إلى ابن أبي الساج إمرة الحرمين من جهة الخليفة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحج بالناس في هذه السنة هارون بن محمد المتقدم ذكره قبلها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 571 ] وفيها عمل محمد بن عبد الرحمن الداخل - خليفة الأندلس وبلاد المغرب - مراكب في نهر قرطبة ليدخل بها إلى البحر المحيط ; لتسير الجيوش في أطرافه إلى بعض البلدان ليقاتلوهم ، فلما دخلت المراكب البحر المحيط تكسرت وتقطعت ولم ينج من أهلها إلا اليسير وغرق أكثرهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها التقى أسطول المسلمين وأسطول الروم ببلاد صقلية فاقتتلوا ، فقتل من المسلمين خلق كثير ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها حارب لؤلؤ غلام أحمد بن طولون لموسى بن أتامش فكسر جيشه وأسره لؤلؤ وبعث به إلى مولاه أحمد بن طولون نائب الشام ومصر وإفريقية من جهة الخلافة ، ثم اقتتل لؤلؤ هذا وطائفة من الروم ، فقتل من العدو خلقا كثيرا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الأثير : وفيها اشتد الحال وضاق الناس ذرعا بكثرة الهيج ، وتغلب القواد والأجناد على كثير من البلاد بسبب ضعف الخليفة المعتمد ، واشتغال أخيه أبي أحمد بقتال الزنج .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها اشتد الحر في تشرين الثاني جدا ، ثم قوي به البرد حتى جمد الماء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية