الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 613 ] ثم دخلت سنة خمس وسبعين ومائتين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في المحرم منها وقع الخلاف بين ابن أبي الساج وبين خمارويه ، فاقتتلا عند ثنية العقاب شرقي دمشق فغلب ابن أبي الساج وانهزم ، وكانت حواصله بحمص ، فبعث خمارويه من سبقه إليها ، فأخذها ومنع منه حمص فذهب إلى حلب فمنعه خمارويه ، فسار إلى الرقة فاتبعه ، فذهب إلى الموصل ثم انهزم منها خوفا من خمارويه ووصل خمارويه إلى البلد ، واتخذ له بها سريرا طويل القوائم ، وكان يجلس عليه في الفرات ، فعند ذلك طمع فيه إسحاق بن كنداج فسار وراءه ; ليظفر منه بشيء فلم يقدر ، وقد التقيا في بعض الأيام ، فصبر له ابن أبي الساج صبرا عظيما ، فسلم وانصرف إلى أبي أحمد الموفق ببغداد ، فأكرمه وخلع عليه واستصحبه معه إلى الجبل ، ورجع إسحاق بن كنداج إلى ديار بكر ومضر من الجزيرة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة في شوال منها سجن أبو أحمد الموفق ابنه أبا العباس المعتضد في دار الإمارة ، وكان سبب ذلك أنه أمره بالمسير إلى بعض الوجوه ، فامتنع أن يسير إلا إلى الشام التي كان عمه المعتمد ولاه إياها ، فغضب عليه وأمر بسجنه ، فثارت الأمراء واختبطت بغداد وركب الموفق إلى بغداد وقال [ ص: 614 ] للناس : أتظنون أنكم أشفق على ولدي مني ؟ فسكن الناس عند ذلك وتراجعوا إلى منازلهم ، ثم أفرج عنه ، ولله الحمد والمنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة سار رافع إلى محمد بن زيد أخي الحسن بن زيد العلوي ، فأخذ منه مدينة جرجان فهرب منه إلى أستراباذ فحصره بها سنتين ، فغلا بها السعر حتى بيع الملح بها وزن الدرهم بدرهمين ، فهرب محمد بن زيد منها ليلا إلى سارية ، ثم أخذ منه رافع بلادا كثيرة بعد ذلك في مدة متطاولة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي المحرم منها - أو في صفر - كانت وفاة المنذر بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الأقوي صاحب الأندلس عن ست وأربعين سنة . وكانت ولايته سنة وأحد عشر شهرا وعشرة أيام ، وكان أسمر طويلا ، بوجهه أثر جدري ، جوادا ممدحا ، يحب الشعراء ويصلهم بمال كثير ، وخلف من الأولاد ستة ذكور ، وقام بالأمر من بعده أخوه عبد الله بن محمد ، فامتلأت بلاد الأندلس في أيامه فتنا وشرورا حتى هلك ، كما سيأتي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية