الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 804 ] ثم دخلت سنة خمس وثلاثمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها قدم رسول ملك الروم في طلب المفاداة والهدنة وهو شاب حدث السن ومعه شيخ منهم وعشرون غلاما ، فلما ورد بغداد شاهد أمرا عظيما جدا وذلك أن الخليفة المقتدر بالله أمر بالاحتفال بذلك ليشاهد ما فيه إرهاب الأعداء ، فركب الجيش بكماله يومئذ ، وكان مائة ألف وستين ألفا ما بين فارس وراجل في الأسلحة التامة ، وغلمان الخليفة سبعة آلاف ، أربعة آلاف بيض وثلاثة آلاف سود ، وهم في غاية الملابس والعدد ، والحجبة يومئذ سبعمائة حاجب وأما الطيارات التي بدجلة والزبارب والسميريات فشيء كثير مزينة ، فحين دخل الرسول دار الخلافة شاهد أمرا أدهشه ورأى من الحشمة والزينة والحرمة ما يبهر الأبصار وحين اجتاز بالحاجب ظن أنه الخليفة فقيل له هذا الحاجب الكبير ، فمر بالوزير في أبهته فظنه الخليفة ، فقيل له هذا الوزير ، وقد زينت دار الخلافة بزينة لم يسمع بمثلها ، كان فيها من الستور يومئذ ثمانية وثلاثون ألف ستر ، منها اثنا عشر ألف ستر وخمسمائة مذهبة ، وقد بسط في هذه السنة اثنان وعشرون ألف بساط ، وفيها من الوحوش قطعان متآنسة بالناس ، بحيث تأكل من أيديهم ، ومائة سبع مع [ ص: 805 ] السباعة ثم أدخل إلى دار الشجرة وهي عبارة عن بركة فيها ماء صاف ، وفي وسط ذلك الماء شجرة من ذهب وفضة لها ثمانية عشر غصنا أكثرها من ذهب وفي الشماريخ والأوراق الملونة عليها طيور مصبوغة من الذهب والفضة واللآلئ ، وهي تصوت بأنواع الأصوات من الماء المسلط عليها ، والشجرة بكمالها تتمايل كما تتمايل الأشجار بحركات عجيبة تدهش من يراها ، ثم أدخل إلى مكان يسمونه الفردوس ، فيه من أنواع المفارش والآلات ما لا يحد ولا يوصف كثرة وحسنا وفي دهاليزه ثمانية عشر ألف جوشن مذهبة ، فما زال كلما مر على مكان أدهشه وأخذ ببصره حتى انتهى إلى الخليفة المقتدر بالله وهو جالس على سرير من آبنوس قد فرش بالديبقي المطرز بالذهب وعن يمين السرير تسعة عقود معلقة وعن يساره تسعة أخرى من أفخر الجواهر يعلو ضوؤها على ضوء النهار ، فأوقف الرسول والذي معه بين يدي الخليفة على نحو من مائة ذراع والوزير علي بن محمد بن الفرات واقف بين يدي الخليفة والترجمان دون الوزير ، فجعل الخليفة يخاطب الوزير ، والوزير يخاطب الترجمان والترجمان يخاطبهما ، ثم خلع عليهما وأطلق لهما خمسين سقرقا في كل سقرق خمسة آلاف درهم ، وأخرجا من بين يديه وطيف بهما في بقية دار الخلافة وعلى حافات دجلة الفيلة والزرافات والسباع والفهود وغير ذلك ، وهذا من أغرب ما وقع من الحوادث في هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحج بالناس فيها الفضل الهاشمي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية