الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                فصل والمعصية الثانية : قد تكون عقوبة الأولى . فتكون من سيئات الجزاء مع أنها من سيئات العمل . قال النبي صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق على صحته - [ ص: 240 ] عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم { عليكم بالصدق . فإن الصدق يهدي إلى البر . والبر يهدي إلى الجنة . ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا . وإياكم والكذب . فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار . ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا } . وقد ذكر في غير موضع من القرآن ما يبين أن الحسنة الثانية قد تكون من ثواب الأولى .

                وكذلك السيئة الثانية : قد تكون من عقوبة الأولى . قال تعالى { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا } { وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما } { ولهديناهم صراطا مستقيما } وقال تعالى { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } وقال تعالى : { والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم } { سيهديهم ويصلح بالهم } { ويدخلهم الجنة عرفها لهم } وقال تعالى : { ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى } وقال تعالى : { وكتاب مبين } { يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام } وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم } وقال تعالى : { وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون } وقال تعالى : { هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين } [ ص: 241 ] وقال تعالى : { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى } وقال تعالى { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون } { وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون } وقال تعالى { كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين } وقال تعالى { ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين } وقال تعالى { ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين } وقال تعالى { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم } { والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم } { ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم } وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا } { يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم } وقال تعالى { قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين } .

                قال أبو عثمان النيسابوري : من أمر السنة على نفسه - قولا وفعلا - نطق بالحكمة . ومن أمر الهوى على نفسه - قولا وفعلا - نطق بالبدعة . لأن الله تعالى يقول { وإن تطيعوه تهتدوا }

                [ ص: 242 ] قلت : وقد قال في آخر السورة { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } . وقال تعالى { وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون } { ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة } وقال تعالى { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم } وقال تعالى { وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين } - إلى قوله - { ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين } وقال تعالى { وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون } وقال تعالى أيضا { وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا } .

                وقال تعالى { فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين } وقال تعالى { ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين } { ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا } وقال تعالى في النوعين { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان } { ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله } وقال تعالى { سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين } .

                وقال تعالى { هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار } { ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار } { ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب } .

                وقال تعالى { لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون } { ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون } وقال تعالى { ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون } { ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون } وقال تعالى { ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون } وقال تعالى { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم } { أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها } { إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم } { ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم } .

                وقال تعالى { ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين } { فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون } { فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون } وقال تعالى { فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين } وقال تعالى في ضد هذا { وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما } - إلى قوله - { ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا } { سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا } . وتوليتهم الأدبار : ليس مما نهوا عنه ولكن هو من جزاء أعمالهم . وهذا باب واسع .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية