الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
مثل العمال بطاعة الله تعالى

مثل العمال بطاعة الله تعالى مثل ملك له عبيد اختارهم للخدمة بين يديه على مرأى العين فمن استحلى منهم خدمته يظهر ذلك في حليته وكسوته فواحد بين يديه في قرطق واحد ومنطقه وغيره يدرج بين يديه على قدميه وآخر مع قراطق كثيرة بعضها على بعض من بين ديباج وحرير وساج وكتان لون على لون ومنطقة ذهب فيها فصوص وجواهر كل فص له ثمن نفيس وإكليل كمثلها وبيده ضبائر الريحان من كل لون من الورد والبان والياسمين يفوح منه ريح المسك

فعين هذا الملك على مثل هذا الخادم فإذا سار بين يديه سار على موكبه بحرسه ولوائه

[ ص: 277 ] فإنما نال هذه الرتبة والمحل والتمكين لأنه استحلى صورته وخلقته وهيئته وخدمته وأدبه وكياسته وظرفه ومحاسن أفعاله وطهارة خلقه ولو كان دميما في خلقته سمجا أبله في أخلاقه سيئ الخلق كسلان الخدمة لم ينل من هذه المرتبة شيئا إلا ما يقيه من الحر والبرد ويستر عورته ويشبع بطنه

فكذا العمال بطاعة الله تعالى إنما يعملون بإذن ربهم فمن كان طاهر الخلق كيس الذهن فطن الفهم عاقل اللب ذا حظ من الحكمة كان الإذن له بين يدي الملك أوسع وأكبر وكان كالعبد الذي تلونت كسوته وزينته بين يدي الملك فإنما كساه الملك بهذه الألوان لأنه وجده بحيث يليق به هذه الألوان كلها وأعطاه ضبائر الريحان لنزاهته وطيبه وكياسته فهذا العبد بطهارة خلقه وصفاء قلبه ووقارة عقله [ ص: 278 ] وإدراك حكمته سقاه الملك الأعلى شربة من كأس حبه حتى سكر عقله عن جميع أحوال النفس حتى صار كل أموره من المحبوب والمكروه عنده حلوا يجد ثمرة الحب فبكياسة ذهنه أدرك دقائق الحكمة وبفهمه وفطنته بلغ محل الخدمة وعرف أوقات الملك وأوقات الأشياء فإن الخدمة ذات ألوان وفنون وبعقله ولبه عظم أمرها وصانها وبحكمته أمسكها الله تعالى فهذا الكيس الفطن الذي إذا نال الحكمة نظر إلى عمل من أعمال البر فيقول ما هذا ففهم أن هذا محبوب الله تعالى قام إلى ذلك محتسبا

قال له قائل بين واحد من هذا حتى نفهم

قال إن الله تعالى أمرنا بالصلاة والصوم وغيرهما فإذا نظر الكيس بنور الحكمة أن في الصلاة أمره وفيها قيام بين يديه ودله عليه علم بفهمه وحكمته أنها محبوب الله تعالى فهل أحب قيامي بين يديه إلا من أجل أنه أحبني فبحبه إياي أعطاني موطن القيام بين يديه فاطلع بفهمه على أمر عظيم يستدل بذلك على أنه حبيبه ومن حبه أحب كونه بين يديه [ ص: 279 ] فإذا فهم هذا كانت صلاته قرة عينه وخروجه عنها مصيبة عظيمة وكذا في كل نوع من أنواع البر هذا مثل الثناء والتسبيح

التالي السابق


الخدمات العلمية