الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
النوع التاسع عشر:

معرفة المضطرب من الحديث

المضطرب من الحديث: هو الذي تختلف الرواية فيه، فيرويه بعضهم على وجه وبعضهم على وجه آخر مخالف له، وإنما نسميه مضطربا إذا تساوت الروايتان. أما إذا ترجحت إحداهما بحيث لا تقاومها الأخرى بأن يكون راويها أحفظ، أو أكثر صحبة للمروي عنه، أو غير ذلك من وجوه الترجيحات المعتمدة - فالحكم للراجحة، ولا يطلق عليه حينئذ وصف المضطرب ولا له حكمه.

ثم قد يقع الاضطراب في متن الحديث، وقد يقع في الإسناد، وقد يقع ذلك من راو واحد، وقد يقع بين رواة له جماعة.

والاضطراب موجب ضعف الحديث؛ لإشعاره بأنه لم يضبط، والله أعلم.

ومن أمثلته: ما رويناه عن إسماعيل بن أمية، عن أبي عمرو بن محمد بن حريث، عن جده حريث، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصلي: "إذا لم يجد عصا ينصبها بين يديه فليخط خطا".

فرواه بشر بن المفضل وروح بن القاسم، عن إسماعيل هكذا. ورواه سفيان الثوري عنه، عن أبي عمرو بن حريث، عن أبيه، عن أبي هريرة. ورواه حميد بن الأسود، عن إسماعيل، عن أبي عمرو بن محمد بن حريث بن سليم، عن أبيه، عن أبي هريرة. ورواه وهيب، وعبد الوارث عن إسماعيل، عن أبي عمرو بن حريث، عن جده حريث. وقال عبد الرزاق، عن ابن جريج: سمع إسماعيل، عن حريث بن عمار، عن أبي هريرة. وفيه من الاضطراب أكثر مما ذكرناه. والله أعلم.

[ ص: 524 ] [ ص: 525 ]

التالي السابق


[ ص: 524 ] [ ص: 525 ] النوع التاسع عشر:

معرفة المضطرب.

73 - قوله: (ومن أمثلته: ما رويناه عن إسماعيل بن أمية، عن أبي عمرو ابن حريث، عن جده حريث، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصلي: "إذا لم يجد عصا ينصبها بين يديه فليخط خطا".

فرواه بشر بن المفضل وروح بن القاسم، عن إسماعيل هكذا. ورواه سفيان الثوري عنه، عن أبي عمرو بن حريث، عن أبيه، عن أبي هريرة. ورواه حميد بن الأسود، عن إسماعيل، عن أبي عمرو بن محمد بن حريث بن سليم، عن أبيه، عن أبي هريرة. ورواه وهيب وعبد الوارث، عن إسماعيل، عن أبي عمرو بن حريث، عن [ ص: 526 ] جده حريث. وقال عبد الرزاق، عن ابن جريج: سمع إسماعيل، عن حريث بن عمار، عن أبي هريرة. وفيه من الاضطراب أكثر مما ذكرناه) انتهى.

وفيه أمور:

أحدها: أنه قد اعترض عليه بأنه ذكر أولا أنه إنما يسمى مضطربا إذا تساوت الروايتان، فأما إذا ترجحت إحداهما فلا يسمى مضطربا، وهذا قد رواه الثوري وهو أحفظ من ذكرهم، فينبغي أن ترجح روايته على غيرها ولا تسميه مضطربا، وأيضا فإن الحاكم وغيره صحح الحديث المذكور.

والجواب: أن الوجوه التي ترجح بها متعارضة في هذا الحديث، فسفيان الثوري وإن كان أحفظ من سماه المصنف فإنه انفرد بقوله: "أبي عمرو بن حريث عن أبيه" وأكثر الرواة يقولون: "عن جده" وهم بشر بن المفضل، [ ص: 527 ] وروح بن القاسم، ووهيب بن خالد، وعبد الوارث بن سعيد، وهؤلاء من ثقات البصريين وأئمتهم، ووافقهم على ذلك من حفاظ الكوفيين سفيان بن عيينة، وقولهم أرجح لوجهين:

أحدهما: الكثرة.

والثاني: أن إسماعيل بن أمية مكي، وابن عيينة كان مقيما بمكة، ومما يرجح به كون الراوي عنه من أهل بلده، وبكثرة الرواة أيضا، وخالف الكل ابن جريج وهو مكي أيضا، ومولى آل خالد بن سعيد الأموي.

وإسماعيل بن أمية هو ابن عمرو بن سعيد الأموي المذكور، فيقتضي ذلك ترجيح روايته، فتعارضت حينئذ الوجوه المقتضية للترجيح، وانضم إلى ذلك جهالة راوي الحديث وهو شيخ إسماعيل بن أمية؛ فإنه لم يرو عنه - فيما علمت - غير إسماعيل بن أمية، مع هذا الاختلاف في اسمه واسم أبيه، وهل يرويه عن أبيه، أو عن جده، أو هو نفسه عن أبي هريرة؟ وقد حكى أبو داود في سننه [ ص: 528 ] تضعيفه عن ابن عيينة، فقال: "قال سفيان: لم نجد شيئا نشد به هذا الحديث، ولم يجئ إلا من هذا الوجه" وقد ضعفه أيضا الشافعي والبيهقي.

وقول من ضعفه أولى بالحق من تصحيح الحاكم له مع هذا الاضطراب والجهالة براويه. والله أعلم.

وقد ذكره النووي في الخلاصة في فصل الضعيف، وقال: قال الحفاظ: هو ضعيف لاضطرابه.

الأمر الثاني: أن قول المصنف في رواية حميد بن الأسود، عن أبيه فيه نظر. والذي قاله حميد، عن جده، كما رواه ابن ماجه في سننه قال: ثنا بكر بن خلف أبو بشر، قال: ثنا حميد بن الأسود، ح وحدثنا عمار بن خالد، ثنا سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي عمرو بن محمد بن عمرو بن [ ص: 529 ] حريث، عن جده حريث بن سليم، عن أبي هريرة، فذكره.

ولكن المصنف اعتمد على رواية البيهقي، فإنه فيها من رواية حميد، عن إسماعيل، عن أبي عمرو بن محمد بن حريث، عن أبيه، عن أبي هريرة، فإما أن يكون قد اختلف فيه على حميد بن الأسود في قوله "عن أبيه" أو "عن جده" أو يكون ابن ماجه قد حمل رواية حميد بن الأسود على رواية سفيان بن عيينة، ولم يبين الاختلاف الذي بينهما كما يقع في الأسانيد، على أنه قد اختلف فيه أيضا على ابن عيينة، كما سيأتي في الأمر الذي يليه.

الأمر الثالث: المصنف أشار إلى غير ذلك من الاضطراب، فرأيت أن أذكر ما رأيت فيه من الاختلاف مما لم يذكره المصنف.

وقد رواه أيضا عن إسماعيل بن أمية سفيان بن عيينة، وذؤاد بن علية. فأما سفيان بن عيينة فاختلف عليه فيه، فرواه محمد بن سلام البيكندي، عن سفيان بن عيينة كرواية بشر وروح المتقدمة.

[ ص: 530 ] وهكذا رواه علي ابن المديني عنه فيما رواه البخاري في غير الصحيح عن ابن المديني، واختلف فيه على ابن المديني كما سيأتي.

ورواه مسدد، عن سفيان، كرواية سفيان الثوري المتقدمة.

ورواه الشافعي والحميدي، عن ابن عيينة، عن إسماعيل، عن أبي محمد بن عمرو بن حريث، عن جده حريث العدوي.

ورواه عمار بن خالد، عن ابن عيينة، فقال: عن أبي عمرو ابن محمد بن عمرو بن حريث، عن جده حريث بن سليم. رواه ابن ماجه، عن عمارة، وقد تقدم.

وأما الاختلاف على ابن المديني فيه فرواه البخاري في غير الصحيح عنه، عن ابن عيينة، كما تقدم.

ورواه أبو داود في سننه، عن محمد بن يحيى بن فارس، عن ابن المديني، [ ص: 531 ] عن ابن عيينة، عن إسماعيل، عن أبي محمد عمرو بن حريث، عن جده حريث رجل من بني عذرة.

وأما ذؤاد بن علية فقال: عن إسماعيل بن أمية، عن أبي عمرو بن محمد، عن جده حريث بن سليمان.

وقال أبو زرعة الدمشقي: "لا نعلم أحدا بينه ونسبه غير ذؤاد بن علية" انتهى.

قلت: وقد نسبه ابن عيينة أيضا في رواية ابن ماجه إلا أنه قال: "ابن سليم" كما تقدم. والله أعلم.




الخدمات العلمية