الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                فصل والمقصود هنا : أن الثواب والعقاب إنما يكون على عمل وجودي بفعل الحسنات ، كعبادة الله وحده ، وترك السيئات ، كترك الشرك أمر وجودي ، وفعل السيئات ، مثل ترك التوحيد ، وعبادة غير الله أمر وجودي . قال تعالى { من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون } وقال تعالى { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها } وقال تعالى { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها } وقال تعالى { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } { والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة } - إلى قوله - { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } وقال تعالى [ ص: 286 ] { ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون }

                . فأما عدم الحسنات والسيئات : فجزاؤه عدم الثواب والعقاب . وإذا فرض رجل آمن بالرسول مجملا ، وبقي مدة لا يفعل كثيرا من المحرمات ، ولا سمع أنها محرمة ، فلم يعتقد تحريمها . مثل من آمن ولم يعلم أن الله حرم الميتة والدم ولحم الخنزير ، ولا علم أنه حرم نكاح الأقارب سوى أربعة أصناف ، ولا حرم بالمصاهرة أربعة أصناف - حرم على كل من الزوجين أصول الآخر وفروعه - فإذا آمن ولم يفعل هذه المحرمات ، ولا اعتقد تحريمها ، لأنه لم يسمع ذلك : فهذا لا يثاب ولا يعاقب . ولكن إذا علم التحريم فاعتقده : أثيب على اعتقاده . وإذا ترك ذلك - مع دعاء النفس إليه - أثيب ثوابا آخر ، كالذي تدعوه نفسه إلى الشهوات فينهاها كالصائم الذي تشتهي نفسه الأكل والجماع فينهاها ، والذي تشتهي نفسه شرب الخمر والفواحش فينهاها . فهذا يثاب ثوابا آخر ، بحسب نهيه لنفسه ، وصبره على المحرمات ، واشتغاله بالطاعات التي هي ضدها .

                فإذا فعل تلك الطاعات كانت مانعة له عن المحرمات . [ ص: 287 ] وإذا تبين هذا : فالحسنات التي يثاب عليها كلها وجودية ، نعمة من الله تعالى وما أحبته النفس من ذلك ، وكرهته من السيئات : فهو الذي حبب الإيمان إلى المؤمنين ، وزينه في قلوبهم . وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية