الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 74 ] [ ص: 75 ] بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الرعد

هكذا سميت من عهد السلف . وذلك يدل على أنها مسماة بذلك من عهد النبيء صلى الله عليه وسلم إذ لم يختلفوا في اسمها .

وإنما سميت بإضافتها إلى الرعد لورود ذكر الرعد فيها بقوله تعالى ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق . فسميت بالرعد ; لأن الرعد لم يذكر في سورة مثل هذه السورة ، فإن هذه السورة مكية كلها أو معظمها . وإنما ذكر الرعد في سورة البقرة وهي نزلت بالمدينة وإذا كانت آيات هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا إلى قوله وهو شديد المحال مما نزل بالمدينة ، كما سيأتي ، تعين أن ذلك نزل قبل نزول سورة البقرة .

وهذه السورة مكية في قول مجاهد وروايته عن ابن عباس ورواية علي بن أبي طلحة وسعيد بن جبير عنه وهو قول قتادة . وعن أبي بشر قال : سألت سعيد بن جبير عن قوله تعالى ومن عنده علم الكتاب أي في آخر سورة الرعد أهو عبد الله بن سلام ؟ فقال : كيف وهذه سورة مكية ، وعن ابن جريج وقتادة في رواية عنه وعن ابن عباس أيضا : أنها مدنية ، وهو عن عكرمة والحسن البصري ، وعن عطاء عن ابن عباس . وجمع السيوطي وغيره بين الروايات بأنها مكية إلا آيات منها نزلت بالمدينة يعني قوله هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا إلى قوله شديد المحال وقوله قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب . [ ص: 76 ] قال ابن عطية : والظاهر أن المدني فيها كثير ، وكل ما نزل في شأن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة فهو مدني .

وأقول : أشبه آياتها بأن يكون مدنيا قوله أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها كما ستعلمه ، وقوله تعالى كذلك أرسلناك في أمة إلى ( وإليه متاب ) فقد قال مقاتل وابن جريج : نزلت في صلح الحديبية كما سيأتي عند تفسيرها .

ومعانيها جارية على أسلوب معاني القرآن المكي من الاستدلال على الوحدانية وتفريع المشركين وتهديدهم . والأسباب التي أثارت القول بأنها مدنية أخبار واهية ، وسنذكرها في مواضعها من هذا التفسير ولا مانع من أن تكون مكية . ومن آياتها نزلت بالمدينة وألحقت بها ، فإن ذلك في بعض سور القرآن ، فالذين قالوا : هي مكية لم يذكروا موقعها من ترتيب المكيات سوى أنهم ذكروها بعد سورة يوسف وذكروا بعدها سورة إبراهيم .

والذين جعلوها مدنية عدوها في النزول بعد سورة القتال وقبل سورة الرحمن وعدوها سابعة وتسعين في عداد النزول . وإذ قد كانت سورة القتال نزلت عام الحديبية أو عام الفتح تكون سورة الرعد بعدها .

وعدت آياتها ثلاثا وأربعين من الكوفيين وأربعا وأربعين في عدد المدنيين وخمسا وأربعين عند الشام .

التالي السابق


الخدمات العلمية