الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
مثل أسماء الله تعالى مثل ملك له بستان أحاطه بحائط وله غرس وأشجار ذات ألوان من الفواكه وفنون النعم فساق إلى عبيده كلوا من هذه الثمار واشربوا من هذه الأنهار فهذا معاشكم ومأواكم ولكن شأنكم مرمة هذا البستان من جري النهر وحفظ البساتين من منابت السوء فإنكم لو قصرتم في هذا الأمر فعن قريب انكبس النهر ويبست الأشجار ونبتت منابت السوء من القت وغيرها فتتغير الألوان ولا تتورد

فانظروا إلى نزاهة هذه الثمار والأوراد والرياحين فمن لم يسمن على أكل هذه الثمار وشرب هذا الماء فعلى أي شيء يسمن [ ص: 282 ] فالماء أصله واحد في الصفاء والعذوبة فإذا نظرت إلى ثمرة كل شجرة وجدت إحداها حلوا وأخرى حامضا وأخرى مرا وأخرى باردا وأخرى حارا وأخرى بين الحموضة .والحلاوة فكل شيء له نفع دون صاحبه

فكذا الله تعالى هيأ لعباده بستانا وأحاط له حائطا وشق نهرا وأجرى الماء وأنبت الأشجار وأخرج من كل شجرة لونا من الثمرة فالحائط ملكه والنهر لصقه والماء ماء الحياة أجرى ماء الحياة في نهر اللطف إلى هذه الأشجار وهو أسماؤه الحسنى وأجرى إلى العباد كل اسم حلوا وحامضا وعذبا ومرا وباردا وحارا فمن اسمه الرزاق رزقهم ومن اسمه التواب تاب عليهم ومن اسمه الغفار غفر لهم ومن اسمه العزيز جاد عليهم ومن اسمه الرءوف رؤف بهم ومن اسمه الرحمن رحمهم في دينهم ومن اسمه الرحيم رحمهم في الدنيا والآخرة ومن اسمه الوكيل توكل بهم ومن اسمه الكفيل تكفل لهم ومن اسمه العظيم أغناهم ومن اسمه الجليل أعزهم ومن اسمه الكريم أكرمهم ومن اسمه المنان من عليهم بالرحمة العظمى فهداهم ومن اسمه الله اجتباهم ووله قلوبهم وعلق فمن كل اسم أهدى إليهم [ ص: 283 ] ما وضع في ذلك الاسم لأنه من أجلهم أخرج الأسماء إليهم فمن كان أشد محافظة لهم وإكبابا عليهم وأدوم قياما على نفسه كانت فوهة نهره أوسع والماء فيه أكثر ووجدنا أن هذه الثمرة إنما يسيغها آكلها بالماء الذي في قبو حنكه ويجد لذة الأشياء بذلك في ذلك الموضع فبتلك القوة ينتفع بهذه الثمار

فكذا القلب إذا لم تكن فيه تلك المحبة اللذيذة التي يجد حلاوتها في قلبه لم يجد حلاوة هذه الأسماء فبالحب ينال طعم ما في هذه الأسماء من هذه المعاني التي في الاسم فلكل اسم بما فيه من معناه أكلا يسمن عليه كما يسمن صاحب الأشجار من أكل تلك الثمار التي أثمرت هذه الأشجار فالأسماء ثمرتها معانيها وسقياها ماء الحياة فإذا لم يكن القلب حيا لم تكن له تلك المحبة التي من الحياة العطائية فإذا هذه الأسماء له كالأشجار التي قد انقطع ماؤها فلم تثمر ولم تتورق ولم تتورد ويبست الأشجار فلا تصلح إلا للحرق

وإذا أجرى ماء الحياة وانتبه القلب وحيي بالله جاءت المحبة .

فبحلاوة المحبة تحلو الأسماء ويجد القلب لذة تلك الحلاوة [ ص: 284 ] ويرطب بذلك اللطف لأن في الأسماء صفات المحبوب ولطفه وآلاءه وأخلاقه وكرمه ورحمته وأفضاله فعلى قدر محبته له يجد حلاوة الصفات واللطف والآلاء والأخلاق والعطف والكرم وتعظم أفعاله عندك ويأخذ من قلبك سلطان ذلك الفعل فإذا أثنى على ربه أو مدحه أو دعاه باسم من أسمائه فإنه يخرج كلمته من فيه على قدر سلطانه من القلب ومملكة القلب من الحياة والمحبة

التالي السابق


الخدمات العلمية