الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 199 ] ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في ربيع الأول منها وقعت فتنة بين الشيعة وأهل السنة ، ونهبت الكرخ . وفي جمادى الآخرة تقلد القاضي أبو السائب عتبة بن عبيد الله الهمداني قضاء القضاة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها خرج رجل يقال له : عمران بن شاهين كان قد استوجب بعض العقوبات ، فهرب من السلطان إلى ناحية البطائح ، فكان يقتات مما يصيده من السمك والطيور ، والتف عليه خلق من الصيادين وقطاع الطريق ، فقويت شوكته ، واستعمله أبو القاسم بن البريدي على جباية بعض تلك النواحي ، وأرسل إليه معز الدولة بن بويه جيشا مع وزيره أبي جعفر الصيمري ، فهزم الوزير لكنه دهمه أمر ، اشتغل به عنه ، وذلك وفاة عماد الدولة بن بويه . وهو أبو الحسن علي بن بويه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أكبر أولاد بويه ، وأول من تملك منهم ، وكان عاقلا حازما ، حميد السيرة ، رئيسا في نفسه ، كان أول ظهوره في سنة ثنتين وعشرين وثلاثمائة كما ذكرنا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 200 ] فلما كان في هذا العام قويت عليه الأسقام وتواترت لديه الآلام ، فأحس من نفسه بالهلاك ، ولم يعادل ما هو فيه من الملك وكثرة الأموال والرجال من الديالم والأتراك ، ولم يحصلوا له الفكاك ، ولم يكن له ولد ذكر ، فأرسل إلى أخيه ركن الدولة يستدعي ولده عضد الدولة ، ليجعله ولي عهده من بعده ، فلما قدم عليه فرح به فرحا شديدا ، وخرج بنفسه في جميع جيشه لتلقيه ، فلما دخل به دار المملكة أجلسه على السرير ، وقام بين يديه كأحد الأمراء ; ليرفع من شأنه عند أمرائه ووزرائه وأعوانه ، ثم عقد له البيعة على ما يملكه من البلدان والأموال وتدبير الملك والرجال ، وفهم من بعض رءوس الأمراء كراهية لذلك ، فشرع في القبض عليهم ، وقتل من شاء منهم وسجن آخرين ، حتى تمهدت الأمور لعضد الدولة ، ثم كانت وفاة عماد الدولة بشيراز في هذه السنة عن سبع وخمسين سنة ، وكانت مدة ملكه ست عشرة سنة ، وكان من خيار الملوك في زمانه ، وممن حاز قصب السبق دون أقرانه ، وكان هو في الحقيقة أمير الأمراء ، وبذلك كان يكاتبه الخلفاء ، ولكن أخوه معز الدولة كان ينوب عنه ببغداد والعراق والسواد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما مات عماد الدولة اشتغل الوزير أبو جعفر الصيمري عن محاربة عمران بن شاهين وقد كتب إليه معز الدولة أن يسير إلى شيراز ويضبط أمورها ، فقوي أمر عمران بعد ضعفه ، وكان من أمره ما سيأتي بيانه في موضعه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية