الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في مسائل تجري في مخاصمة الزوجين ومشاتمتهما

                                                                                                                                                                        وأغلب ما تقع إذا واجهت زوجها بمكروه ، فيقول على سبيل المكافأة : إن كنت كذلك فأنت طالق ، يريد أن يغيظها بالطلاق كما غاظته بالشتم ، فكأنه يقول : تزعمين أني كذا فأنت طالق ، فإذا قالت له : يا خسيس . فقال : إن كنت كذلك فأنت طالق ، نظر ، إن أراد المكافأة كما ذكرنا ، طلقت ، سواء كان خسيسا أو لم يكن ، وإن قصد التعليق ، لم تطلق إلا بوجود الخسة ، قال أبو الحسن العبادي : الخسيس : من باع دينه بدنياه ، وأخس الأخساء من باع آخرته بدنيا غيره ، ويشبه أن يقال : الخسيس : من يتعاطى في العرف ما لا يليق بحاله لشدة بخله ، فإن شك في وجود الصفة - ويتصور ذلك كثيرا في مسائل الشتم والإيذاء - فالأصل أن لا طلاق ، وإن أطلق اللفظ ولم يقصد المكافأة ، ولا حقيقة اللفظ ، فهو للتعليق .

                                                                                                                                                                        فإن عم العرف بالمكافأة ، كان على الخلاف السابق في أنه يراعي الوضع أو العرف ، والأصح وبه قطع المتولي مراعاة اللفظ ، فإن العرف لا يكاد ينضبط في مثل هذا ، وأجاب القاضي حسين بمقتضى الوجه الآخر ، ولو قالت : يا سفيه فقال : إن كنت كذلك ، فأنت طالق ، فإن قصد المكافأة ، طلقت في الحال ، وإن قصد التعليق ، طلقت إن كان سفيها ، وإن أطلق ، فعلى الخلاف ، [ ص: 186 ] ويمكن أن يحمل السفه على ما يوجب الحجر ، وعلى هذا نظائر ما يقع به الشتم والإيذاء . وتكلموا في كلمات يدخل بعضها في حد الإفحاش ، ففي " التتمة " أن القواد : من يحمل الرجال إلى أهله ويخلي بينهم وبين الأهل ، ويشبه أن لا يختص بالأهل ، بل هو الذي يجمع بين الرجال والنساء بالحرام ، وأن القرطبان : الذي يعرف من يزني بزوجته ويسكت عليه ، وأن قليل الحمية : من لا يغار على أهله ومحارمه ، وأن القلاش : الذواق ، وهو من يوهم أنه يشتري الطعام ليذوقه وهو لا يريد الشراء ، وأن الديوث : من لا يمنع الناس الدخول على زوجته .

                                                                                                                                                                        وفي " الرقم " للعبادي : أنه الذي يشتري جارية تغني للناس ، وأن البخيل : من لا يؤدي الزكاة ، ولا يقري الضيف فيما قيل ، وأنه لوقيل له : يا زوج القحبة ، فقال : إن كانت زوجتي بهذه الصفة فهي طالق ، فإن قصد التخلص من عارها ، وقع الطلاق ، كما لو قصد المكافأة ، وإلا فهو تعليق ، فينظر : هل هي بالصفة المذكورة أم لا ؟ قلت : القحبة : هي البغي ، وهي كلمة مولدة ليست عربية . - والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وأنه لو قال لها في الخصومة : إيش تكونين أنت ، فقالت : وإيش تكون أنت ، فقال : إن لم أكن منك بسبيل فأنت طالق ، قال القاضي حسين : إن قصد التعليق لم تطلق ، لأنها زوجته فهو منها بسبيل ، وإن قصد المغايظة والمكافأة ، طلقت .

                                                                                                                                                                        والمقصود إيقاع الفرقة وقطع ما بينهما ، وأنها لو قالت لزوجها : أنت من أهل النار ، فقال : إن كنت من أهل النار فأنت طالق ، لم يحكم بوقوع الطلاق إن كان الزوج مسلما ، لأنه من أهل الجنة ظاهرا ، وإن كان كافرا طلقت فإن أسلم بعد ذلك ، تبينا [ ص: 187 ] أنها لم تطلق . ولو قالت : يا سفلة ، فقال : إن كنت كذلك فأنت طالق ، قال إسماعيل البوشنجي : الأولى أنه الذي يتعاطى الأفعال الدنيئة ويعتادها ، ولا يقع ذلك على من يتفق منه نادرا ، كاسم الكريم ، والسيد في نقيضه .

                                                                                                                                                                        ولا يخفى أن النظر في تحقيق هذه الأوصاف ، إنما يحتاج إليه عند حمل اللفظ على التعليق ، فأما إذا حمل على المكافأة ، فيقع الطلاق في الحال .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الكوسج : من قل شعر وجهه مع انحسار الشعر عن عارضيه ، وعن أبي حنيفة - رحمه الله - : أنه الذي عدد أسنانه ثمانية وعشرون .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال أبو العباس الروياني : الغوغاء : من يخالط المفسدين والمنحرفين ، ويخاصم الناس بلا حاجة . قال : والأحمق : من نقصت مرتبة أموره وأحواله عن مراتب أمثاله نقصا بينا بلا مرض ولا سبب .

                                                                                                                                                                        قلت : قال صاحب " المهذب " و " التهذيب " في باب كفارة الظهار : الأحمق : من يفعل الشيء في غير موضعه مع علمه بقبحه .

                                                                                                                                                                        وفي " التتمة " و " البيان " أنه من يعمل ما يضره مع علمه بقبحه . وفي " الحاوي " : أنه من يضع كلامه في غير موضعه ، فيأتي بالحسن في موضع القبيح ، وعكسه . قال أبو العباس ثعلب : الأحمق : من لا ينتفع بعقله . - والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قالت : يا جهودروي . فقال : إن كنت كذلك فأنت طالق ، وقصد التعليق ، قال [ ص: 188 ] الإمام : وقعت المسألة في الفتاوى ، وأكثروا في التعبير عن هذه الصفة ، فقيل : هي صفرة الوجه ، وقيل : الذلة والخساسة ، وكان جوابنا فيه أن المسلم لا يكون بهذه الصفة ، فلا يقع الطلاق . قال في " الوسيط " : وفيه نظر .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو تخاصم الزوجان ، فقال أبوها للزوج : لم تحرك لحيتك فقد رأيت مثلها كثيرا ؟ فقال : إن كنت رأيت مثل هذه اللحية كثيرا ، فابنتك طالق ، فهذه كناية عن الرجولية والفتوة ونحوهما فإن حمل اللفظ على المكافأة ، طلقت ، وإلا فلا لكثرة الأمثال .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال المتولي : لو نسب إلى فعل سيئ كالزنا واللواط ، فقال : من فعل مثل هذا فامرأته طالق ، وكان ذلك فعله ، لم يقع طلاقه ، لأنه لم يوقع طلاقا ، وإنما غرضه ذم من يفعله ، ولو قال لزوجته : سرقت أو زنيت ، فقالت : لم أفعل ، فقال : إن كنت سرقت أو زنيت فأنت طالق ، حكم بوقوع الطلاق في الحال بإقراره السابق .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        قال : إن خالفت أمري ، فأنت طالق ، ثم قال : لا تكلمي زيدا ، فكلمته ، قالوا : لا تطلق لأنها خالفت النهي دون الأمر ، ولو قال : إن خالفت نهيي فأنت طالق ، ثم قال : قومي ، فقعدت ، وقع لأن الأمر بالشيء نهي

                                                                                                                                                                        [ عن ] أضداده وهذا فاسد ، إذ ليس الأمر بالشيء نهيا عن ضده فيما يختاره . وإن كان ، فاليمين لا ينبني عليه ، بل على اللغة أو العرف ، لكن في المسألة الأولى نظر بسبب العرف .

                                                                                                                                                                        [ ص: 189 ] فصل

                                                                                                                                                                        قال : أنت طالق إلى حين أو زمان ، أو بعد حين ، طلقت بمضي لحظة ؟ ولو قال : إذا مضى حقب أو عصر فأنت طالق ، قال الأصحاب : يقع بمضي لحظة ، وهو بعيد لا وجه له .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        لو علق الطلاق بالضرب ، طلقت إذا حصل الضرب بالسوط أو الوكز أو اللكز ، ولا يشترط أن لا يكون حائل ، ويشترط الإيلام على الأصح ، وقيل : لا يشترط ، بل تكفي الصدمة ، وإلى هذا مال الإمام ، وقال : الإيلام وحده لا يكفي ، فإنه لو وضع عليه حجرا ثقيلا ، فانصدم تحته ، لم يكن ضربا وإن آلم .

                                                                                                                                                                        قال : والصدم وحده لا يكفي ، فإنه لو ضربه بأنملة ، لا يقال : ضربه ، وكان المعتبر في إطلاق اسم الضرب الصدم بما يؤلم ، أو يتوقع منه إيلام . واتفق الأصحاب ، على أنه لا يقع الطلاق إذا كان المضروب ميتا ، وشذ الروياني فحكى فيه خلافا ، والعض وقطع الشعر لا يسمى ضربا ، فلا يقع به الطلاق ، وتوقف المزني في العض .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        علق بالمس ، طلقت بمس شيء من بدنه حيا أو ميتا بلا حائل ، ولا يقع بمس الظفر والشعر . قال الإمام : الوجه القطع بهذا وإن أثبتنا خلافا في نقض الوضوء به ، والأشبه مجيء الخلاف .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        علق بقدوم زيد ، طلقت إذا قدم راكبا أو ماشيا ، وإن قدم به ميتا لم [ ص: 190 ] تطلق ، وإن حمل وقدم به حيا ، إن كان باختياره ، طلقت ، وإلا فلا على المذهب .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية