الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حبا ]

                                                          حبا : حبا الشيء : دنا ؛ أنشد ابن الأعرابي :


                                                          وأحوى ، كأيم الضال أطرق بعدما حبا تحت فينان ، من الظل ، وارف

                                                          وحبوت للخمسين : دنوت لها . قال ابن سيده : دنوت منها . قال ابن الأعرابي : حباها وحبا لها أي دنا لها . ويقال : إنه لحابي الشراسيف أي مشرف الجنبين . وحبت الشراسيف حبوا : طالت وتدانت . وحبت الأضلاع إلى الصلب : اتصلت ودنت . وحبا المسيل : دنا بعضه إلى بعض . الأزهري : يقال حبت الأضلاع وهو اتصالها ؛ قال العجاج :


                                                          حابي الحيود فارض الحنجور



                                                          يعني اتصال رءوس الأضلاع بعضها ببعض ؛ وقال أيضا :


                                                          حابي حيود الزور دوسري



                                                          ويقال للمسايل إذا اتصل بعضها إلى بعض : حبا بعضها إلى بعض ؛ وأنشد :


                                                          تحبو إلى أصلابه أمعاؤه



                                                          [ ص: 26 ] قال أبو الدقيش : تحبو هاهنا تتصل ، قال : والمعى كل مذنب بقرار الحضيض ؛ وأنشد :


                                                          كأن ، بني المرط والشفوف     رملا حبا من عقد العزيف



                                                          والعزيف : من رمال بني سعد . وحبا الرمل يحبو حبوا ، أي : أشرف معترضا فهو حاب . والحبو : اتساع الرمل . ورجل حابي المنكبين : مرتفعهما إلى العنق ، وكذلك البعير . وقد احتبى بثوبه احتباء ، والاحتباء بالثوب : الاشتمال ، والاسم الحبوة والحبوة والحبية ؛ وقول ساعدة بن جؤية :


                                                          أري الجوارس في ذؤابة مشرف     فيه النسور كما تحبى الموكب



                                                          يقول : استدارت النسور فيه كأنهم ركب محتبون . والحبوة والحبوة : الثوب الذي يحتبى به ، وجمعها حبى ، مكسور الأول ؛ عن يعقوب ؛ قال ابن بري : وحبى أيضا عن يعقوب ذكرهما معا في إصلاحه قال : ويروى بيت الفرزدق وهو :


                                                          وما حل من جهل حبى حلمائنا     ولا قائل المعروف فينا يعنف



                                                          بالوجهين جميعا ، فمن كسر كان مثل سدرة وسدر ومن ضم فمثل غرفة وغرف . وفي الحديث : ( أنه نهى عن الاحتباء في ثوب واحد ) ابن الأثير : هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشده عليها ، قال : وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب وإنما نهى عنه لأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد ربما تحرك أو زال الثوب فتبدو عورته ؛ ومنه الحديث : ( الاحتباء حيطان العرب ) أي ليس في البراري حيطان ، فإذا أرادوا أن يستندوا احتبوا لأن الاحتباء يمنعهم من السقوط ويصير لهم كالجدار . وفي الحديث : ( نهي عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب ) لأن الاحتباء يجلب النوم ولا يسمع الخطبة ويعرض طهارته للانتقاض . وفي حديث سعد ( نبطي في حبوته ) قال ابن الأثير : هكذا جاء في رواية والمشهور بالجيم وقد تقدم . والعرب تقول : الحبا حيطان العرب ، وهو ما تقدم ، وقد احتبى بيده احتباء . الجوهري : احتبى الرجل إذا جمع ظهره وساقيه بعمامته ، وقد يحتبي بيديه . يقال : حل حبوته وحبوته . وفي حديث الأحنف : وقيل له في الحرب أين الحلم ؟ فقال : عند الحبى ؛ أراد أن الحلم يحسن في السلم لا في الحرب . والحابية : رملة مرتفعة مشرفة منبتة . والحابي : نبت سمي به لحبوه وعلوه . وحبا حبوا : مشى على يديه وبطنه . وحبا الصبي حبوا : مشى على استه وأشرف بصدره ، وقال الجوهري : هو إذا زحف ؛ قال عمرو بن شقيق :


                                                          لولا السفار وبعده من مهمه     لتركتها تحبو على العرقوب



                                                          قال ابن بري : رواه ابن القطاع : وبعد خرق مهمه ، وبعده من مهمه . الليث : الصبي يحبو قبل أن يقوم ، والبعير المعقول يحبو فيزحف حبوا . وفي الحديث : لو يعلمون ما في العتمة والفجر لأتوهما ولو حبوا ؛ الحبو : أن يمشي على يديه وركبتيه أو استه . وحبا البعير إذا برك وزحف من الإعياء . والحبي : السحاب الذي يشرف من الأفق على الأرض ، فعيل ؛ وقيل : هو السحاب الذي بعضه فوق بعض ؛ قال :


                                                          يضيء حبيا في شمارخ بيض



                                                          قيل له حبي من حبا كما يقال له سحاب من سحب أهدابه ، وقد جاء بكليهما شعر العرب ، قالت امرأة :


                                                          وأقبل يزحف زحف الكبير     سياق الرعاء البطاء العشارا



                                                          وقال أوس :


                                                          دان مسف فويق الأرض هيدبه     يكاد يدفعه من قام بالراح



                                                          وقالت صبية منهم لأبيها فتجاوزت ذلك :


                                                          أناخ بذي بقر بركه     كأن على عضديه كتافا



                                                          قال الجوهري : والحبي من السحاب الذي يعترض اعتراض الجبل قبل أن يطبق السماء ؛ قال امرؤ القيس :


                                                          أصاح ، ترى برقا أريك وميضه     كلمع اليدين في حبي مكلل



                                                          قال : والحبا مثل العصا مثله ، ويقال : سمي لدنوه من الأرض . قال ابن بري : يعني مثل الحبي ؛ ومنه قول الشاعر يصف جعبة السهام :


                                                          هي ابنة حوب أم تسعين آزرت     أخا ثقة يمري حباها ذوائبه



                                                          والحبي : سحاب فوق سحاب . والحبو : امتلاء السحاب بالماء . وكل دان فهو حاب . وفي الحديث حديث وهب : ( كأنه الجبل الحابي ، يعني الثقيل المشرف ) . والحبي من السحاب : المتراكم . وحبا البعير حبوا : كلف تسنم صعب الرمل فأشرف بصدره ثم زحف ؛ قال رؤبة :


                                                          أوديت إن لم تحب حبو المعتنك



                                                          وما جاء إلا حبوا أي زحفا . ويقال ما نجا فلان إلا حبوا . والحابي من السهام : الذي يزحف إلى الهدف إذا رمي به . الجوهري : حبا السهم إذا زلج على الأرض ثم أصاب الهدف . ويقال : رمى فأحبى أي وقع سهمه دون الغرض ثم تقافز حتى يصيب الغرض . وفي حديث عبد الرحمن : ( إن حابيا خير من زاهق ) . قال القتيبي : الحابي من السهام هو الذي يقع دون الهدف ثم يزحف إليه على الأرض ، يقال : حبا يحبو ، وإن أصاب الرقعة فهو خازق وخاسق ، فإن جاوز الهدف ووقع خلفه فهو زاهق ؛ أراد أن الحابي ، وإن كان ضعيفا وقد أصاب الهدف ، خير من الزاهق الذي جازه بشدة مره وقوته ولم يصب الهدف ؛ ضرب السهمين مثلا لواليين أحدهما ينال الحق أو بعضه وهو ضعيف ، والآخر يجوز الحق ويبعد عنه وهو قوي . وحبا المال حبوا : رزم فلم يتحرك هزالا . وحبت السفينة : جرت . وحبا له الشيء فهو حاب وحبي : اعترض ؛ قال العجاج يصف قرقورا :


                                                          فهو إذا حبا له حبي



                                                          [ ص: 27 ] فمعنى إذا حبا له حبي : اعترض له موج . والحباء : ما يحبو به الرجل صاحبه ويكرمه به . والحباء : من الاحتباء ؛ ويقال فيه الحباء ، بضم الحاء ، حكاهما الكسائي ، جاء بهما في باب الممدود . وحبا الرجل حبوة أي أعطاه . ابن سيده : وحبا الرجل حبوا أعطاه ، والاسم الحبوة والحبوة والحباء ، وجعل اللحياني جميع ذلك مصادر ؛ وقيل : الحباء العطاء بلا من ولا جزاء ، وقيل : حباه أعطاه ومنعه ؛ عن ابن الأعرابي لم يحكه غيره . وتقول : حبوته أحبوه حباء ، ومنه اشتقت المحاباة ، وحابيته في البيع محاباة ، والحباء : العطاء ؛ قال الفرزدق :


                                                          خالي الذي اغتصب الملوك نفوسهم     وإليه كان حباء جفنة ينقل



                                                          وفي حديث صلاة التسبيح : ( ألا أمنحك ألا أحبوك ؟ ) حباه كذا إذا أعطاه . ابن سيده : حبا ما حوله يحبوه حماه ومنعه ؛ قال ابن أحمر :


                                                          وراحت الشول ولم يحبها     فحل ولم يعتس فيها مدر



                                                          وقال أبو حنيفة : لم يحبها لم يلتفت إليها أي أنه شغل بنفسه ، ولولا شغله بنفسه لحازها ولم يفارقها ؛ قال الجوهري : وكذلك حبى ما حوله تحبية . وحابى الرجل حباء : نصره واختصه ومال إليه ؛ قال :


                                                          اصبر يزيد ، فقد فارقت ذا ثقة     واشكر حباء الذي بالملك حاباكا



                                                          وجعل المهلهل مهر المرأة حباء ؛ فقال :


                                                          أنكحها فقدها الأراقم في     جنب وكان الحباء من أدم



                                                          أراد أنهم لم يكونوا أرباب نعم فيمهروها الإبل وجعلهم دباغين للأدم . ورجل أحبى : ضبس شرير ؛ عن ابن الأعرابي ؛ وأنشد :


                                                          والدهر أحبى لا يزال ألمه     تدق أركان الجبال ثلمه



                                                          وحبا جعيران : نبات . وحبي والحبيا : موضعان ؛ قال الراعي :


                                                          جعلنا حبيا باليمين ، ونكبت     كبيسا لورد من ضئيدة باكر



                                                          وقال القطامي


                                                          من عن يمين الحبيا نظرة قبل



                                                          وكذلك حبيات ؛ قال عمر بن أبي ربيعة :


                                                          ألم تسل الأطلال والمتربعا     ببطن حبيات دوارس بلقعا



                                                          الأزهري : قال أبو العباس فلان يحبو قصاهم ويحوط قصاهم بمعنى ؛ وأنشد :


                                                          أفرغ لجوف وردها أفراد     عباهل عبهلها الوراد
                                                          يحبو قصاها مخدر سناد     أحمر من ضئضئها مياد



                                                          سناد : مشرف ، ومياد : يجيء ويذهب .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية