الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حتت ]

                                                          حتت : الحت : فركك الشيء اليابس عن الثوب ، ونحوه . حت الشيء عن الثوب وغيره يحته حتا : فركه وقشره ، فانحت وتحات ؛ واسم ما تحات منه : الحتات ، كالدقاق ، وهذا البناء من الغالب على مثل هذا وعامته الهاء . وكل ما قشر ، فقد حت . وفي الحديث : ( أنه قال لامرأة سألته عن الدم يصيب ثوبها ، فقال لها : حتيه ولو بضلع ) معناه : حكيه وأزيليه . والضلع : العود . والحت والحك والقشر سواء ؛ وقال الشاعر :


                                                          وما أخذ الديوان ؛ حتى تصعلكا زمانا ، وحت الأشهبان غناهما



                                                          حت : قشر وحك . وتصعلك : افتقر . وفي حديث عمر : أن أسلم كان يأتيه بالصاع من التمر ، فيقول : حت عنه قشره أي اقشره ؛ ومنه حديث كعب : ( يبعث من بقيع الغرقد سبعون ألفا ، هم خيار من ينحت عن خطمه المدر ) أي ينقشر ويسقط عن أنوفهم المدر ، وهو التراب . وحتات كل شيء : ما تحات منه ؛ وأنشد :


                                                          تحت بقرنيها برير أراكة     وتعطو بظلفيها ، إذا الغصن طالها



                                                          والحت دون النحت . قال شمر : تركتهم حتا فتا بتا إذا استأصلتهم . وفي الدعاء : تركه الله حتا فتا لا يملأ كفا ؛ أي محتوتا أو منحتا . والحت ، والانحتات ، والتحات ، والتحتحت : سقوط الورق عن الغصن وغيره . والحتوت من النخل : التي يتناثر بسرها ، وهي شجرة محتات منثار . وتحات الشيء أي تناثر . وفي الحديث : ( ذاكر الله في الغافلين مثل الشجرة الخضراء وسط الشجر الذي تحات ورقه من الضريب ) أي تساقط . والضريب : الصقيع . وفي الحديث : ( تحاتت عنه ذنوبه ) أي تساقطت . والحتت : داء يصيب الشجر ، تحات أوراقها منه . وانحت شعره عن رأسه ، وانحص إذا تساقط . والحتة : القشرة . وحت الله ماله حتا : أذهبه فأفقره ، على المثل . وأحت الأرطى : يبس . والحت : العجلة في كل شيء . وحته مائة سوط : ضربه وعجل ضربه . وحته دراهمه : عجل له النقد . وفرس حت : جواد سريع ، كثير العدو ؛ وقيل : سريع العرق ، والجمع أحتات ، لا يجاوز [ ص: 28 ] به هذا البناء . وبعير حت وحتحت : سريع السير خفيف ، وكذلك الظليم ؛ وقال الأعلم بن عبد الله الهذلي :


                                                          على حت البراية زمخري الس     واعد ، ظل في شري طوال



                                                          وإنما أراد حتا عند البراية أي سريع عندما يبريه من السفر ؛ وقيل : أراد حت البري ، فوضع الاسم موضع المصدر ؛ وخالف قوم من البصريين تفسير هذا البيت ، فقالوا : يعني بعيرا ؛ فقال الأصمعي : كيف يكون ذلك وهو يقول قبله :


                                                          كأن ملاءتي على هجف     يعن مع العشية للرئال ؟



                                                          قال ابن سيده : وعندي أنه إنما هو ظليم ، شبه به فرسه أو بعيره ، ألا تراه قال : " هجف " ، وهذا من صفة الظليم ، وقال : " ظل في شري طوال " ، والفرس أو البعير لا يأكلان الشري ، إنما يهتبده النعام ، وقوله : " حت البراية " ، ليس هو ما ذهب إليه من قوله : إنه سريع عندما يبريه من السفر ، إنما هو منحت الريش لما ينفض عنه عفاءه من الربيع ، ووضع المصدر الذي هو الحت موضع الصفة الذي هو المنحت ؟ والبراية : النحاتة . وزمخري السواعد : طويلها . والحت : السريع أي هو سريع عندما براه السير . والشري : شجر الحنظل ، واحدته شرية . وقال ابن جني : الشري شجر تتخذ منه القسي ؛ قال : وقوله " ظل في شري طوال " يريد أنهن إذا كن طوالا سترنه فزاد استيحاشه ، ولو كن قصارا لسرح بصره ، وطابت نفسه ، فخفض عدوه . قال ابن بري : قال الأصمعي : شبه فرسه في عدوه وهربه بالظليم ، واستدل بقوله :


                                                          كأن ملاءتي على هجف



                                                          قال : وفي أصل النسخة شبه نفسه في عدوه ، قال : والصواب شبه فرسه . والحتحتة : السرعة . والحت أيضا : الكريم العتيق . وحته عن الشيء يحته ، حتا : رده . وفي الحديث : أنه قال لسعد يوم أحد : " احتتهم يا سعد ، فداك أبي وأمي ، يعني ارددهم " . قال الأزهري : إن صحت هذه اللفظة ، فهي مأخوذة من حت الشيء ، وهو قشره شيئا بعد شيء وحكه . والحت : القشر . والحت : حتك الورق من الغصن ، والمني من الثوب ونحوه . وحت الجراد : ميته . وجاء بتمر حت : لا يلتزق بعضه ببعض . والحتات من أمراض الإبل : أن يأخذ البعير هلس ، فيتغير لحمه وطرقه ولونه ، ويتمعط شعره ؛ عن الهجري . والحت : قبيلة من كندة ، ينسبون إلى بلد ، ليس بأم ولا أب ؛ وأما قول الفرزدق :


                                                          فإنك واجد دوني صعودا     جراثيم الأقارع والحتات



                                                          فيعني به حتات بن زيد المجاشعي ؛ وأورد هذا الليث في ترجمة قرع . وقال : الحتات بشر بن عامر بن علقمة . وحت : زجر للطير . قال ابن سيده : وحتى حرف من حروف الجر كإلى ، ومعناه الغاية ، كقولك : سرت اليوم حتى الليل أي إلى الليل ، وتدخل على الأفعال الآتية : فتنصبها بإضمار أن ، وتكون عاطفة ؛ وقال الأزهري : قال النحويون : " حتى " تجيء لوقت منتظر ، وتجيء بمعنى إلى وأجمعوا أن الإمالة فيها غير مستقيمة ، وكذلك في على ؛ ولحتى في الأسماء والأفعال أعمال مختلفة ، ولم يفسرها في هذا المكان ؛ وقال بعضهم : حتى فعلى من الحت ، وهو الفراغ من الشيء ، مثل شتى من الشت ؛ قال الأزهري : وليس هذا القول مما يعرج عليه ؛ لأنها لو كانت فعلى من الحت ، كانت الإمالة جائزة ، ولكنها حرف أداة ، وليست باسم ، ولا فعل ؛ وقال الجوهري : حتى فعلى ، وهي حرف ، تكون جارة بمنزلة إلى في الانتهاء والغاية ، وتكون عاطفة بمنزلة الواو ، وقد تكون حرف ابتداء ، يستأنف بها الكلام بعدها كما قال جرير يهجو الأخطل ، ويذكر إيقاع الجحاف بقومه :


                                                          فما زالت القتلى تمج دماءها     بدجلة ، حتى ماء دجلة أشكل
                                                          لنا الفضل في الدنيا ، وأنفك راغم     ونحن لكم يوم القيامة ، أفضل



                                                          والشكل : حمرة في بياض ؛ فإن أدخلتها على الفعل المستقبل ، نصبته بإضمار أن ، تقول : سرت إلى الكوفة حتى أدخلها ، بمعنى إلى أن أدخلها ؛ فإن كنت في حال دخول رفعت . وقرئ : وزلزلوا حتى يقول الرسول ، ويقول فمن نصب جعله غاية ، ومن رفع جعله حالا ، بمعنى حتى الرسول هذه حاله ؛ وقولهم : حتام ، أصله حتى ما ، فحذفت ألف ما للاستفهام ؛ وكذلك كل حرف من حروف الجر يضاف في الاستفهام إلى ما ، فإن ألف ما تحذف فيه ، كقوله تعالى : فبم تبشروني و فيم كنتم و لم تؤذونني و عم يتساءلون وهذيل تقول : عتى في حتى .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية