الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( باب ، السنة لغة الطريقة ) ومنه قوله صلى الله عليه وسلم { من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها } - إلى آخره " وتسمى بها أيضا : العادة والسيرة . قال في البدر المنير : السنة السيرة . حميدة كانت أو ذميمة . وقال في القاموس : السنة السيرة . ومن الله تعالى حكمه وأمره ونهيه . انتهى ( و ) السنة شرعا و ( اصطلاحا ) أي في اصطلاح [ ص: 211 ] أهل الشرع ، تطلق تارة على ما يقابل القرآن . ومنه حديث مسلم { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى . فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة } وتطلق تارة على ما يقابل الفرض وغيره من الأحكام الخمسة . وربما لا يراد بها إلا ما يقابل الفرض . كفروض الوضوء والصلاة والصوم وسننها . فإنه لا يقابل بها الحرام ، ولا المكروه فيها ، وإن كانت المقابلة لازمة للإطلاق ، لكنها لم تقصد . وتطلق تارة على ما يقابل البدعة . فيقال : أهل السنة وأهل البدعة . واحترز بقوله " اصطلاحا " من السنة في العرف الشرعي العام . فإنها تطلق على ما هو أعم من المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين ; لأنها في اصطلاح علماء الأصول ( قول النبي صلى الله عليه وسلم غير الوحي ) أي غير القرآن ( ولو ) كان أمرا منه ( بكتابة ) { كأمره صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه بالكتابة يوم الحديبية } . وقوله صلى الله عليه وسلم { اكتبوا لأبي شاه } يعني الخطبة التي خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره بالكتابة إلى الملوك ونحو ذلك ( وفعله ) صلى الله عليه وسلم . واعلم أن القول وإن كان فعلا فهو عمل بجارحة اللسان . والغالب استعماله فيما يقابل الفعل كما هنا ، حتى ( ولو ) كان الفعل ( بإشارة ) على الصحيح ; لأنه كالأمر به ، كما في حديث كعب بن مالك : { لما تقاضى ابن أبي حدرد دينا له عليه في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وارتفعت أصواتهما ، حتى سمعها النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو في بيته . فخرج إليهما ، حتى كشف حجرته فنادى فقال يا كعب . قال : لبيك يا رسول الله - فأشار إليه بيده - أن ضع الشطر من دينك . فقال كعب : قد فعلت يا رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قم فاقضه } رواه البخاري ومسلم . واسم ابن أبي حدرد : عبد الله ، واسم أبيه سلامة بن عمير ، ومنه { إشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أن يتقدم في الصلاة } . متفق عليه . { وطاف النبي صلى الله عليه وسلم [ بالبيت ] على بعير ، كلما أتى على ركن أشار إليه } . ومن الفعل أيضا : عمل القلب والترك . فإنه كف النفس . وقد سبق أنه [ ص: 212 ] لا تكليف إلا بفعل . فإذا نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أراد فعل شيء كان من السنة الفعلية ، كما في حديث عائشة رضي الله عنها { أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن ينحي مخاط أسامة . قالت عائشة : دعني يا رسول الله حتى أكون أنا الذي أفعل . قال : يا عائشة ، أحبيه فإني أحبه } رواه الترمذي في المناقب . وحديث أنس { أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى رهط - أو أناس - من العجم . فقيل : إنهم لا يقبلون كتابا إلا بخاتم . فاتخذ خاتما من فضة } رواه البخاري ومسلم . ومثله حديث جابر { أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى أن يسمى بيعلى ، أو ببركة ، أو أفلح ، أو يسار أو نافع ونحو ذلك ، ثم رأيته سكت بعد عنه ، فلم يقل شيئا ، ثم قبض ولم ينه عن ذلك } رواه مسلم . وإذا نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ترك كذا . كان أيضا من السنة الفعلية ، كما ورد { أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم إليه الضب فأمسك عنه وترك أكله : أمسك الصحابة رضي الله عنهم وتركوه ، حتى بين لهم أنه حلال ، ولكنه يعافه } ، ولكن هذا النوع مقيد بتصريح الراوي بأنه ترك ، أو قيام القرائن عند الراوي الذي يروي عنه أنه ترك . والمراد من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله : ما لم يكن على وجه الإعجاز ( وإقراره ) يعني أن السنة شرعا واصطلاحا : قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وإقراره على الشيء يقال أو يفعل ، فإذا سمع النبي صلى الله عليه وسلم إنسانا يقول شيئا ، أو رآه يفعل شيئا . فأقره عليه ، فهو من السنة قطعا . وسيأتي تفصيل ذلك ( وزيد الهم ) أي وزاد الشافعية على ما ذكر من أقسام السنة : ما هم النبي صلى الله عليه وسلم بفعله ولم يفعله ; لأنه صلى الله عليه وسلم لا يهم إلا بحق محبوب مطلوب شرعا ; لأنه مبعوث لبيان الشرعيات . ومنه : همه صلى الله عليه وسلم بمعاقبة المتخلفين عن الجماعة

التالي السابق


الخدمات العلمية