الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              415 - فتح بن سعيد

              ومنهم فتح بن سعيد الموصلي ، المنتقي من اختياره والمبتغي لاختباره .

              حدثنا أبو زرعة محمد بن إبراهيم الإستراباذي ، ثنا محمد بن قارن ، ثنا أبو حاتم ، ثنا محمد بن روح ، حدثني إبراهيم بن عبد الله ، قال : صدع فتح الموصلي فعرج ، فقال : " يا رب ، ابتليتني ببلاء الأنبياء ، فشكر هذا أن أصلي الليلة أربعمائة ركعة " .

              حدثنا عمر بن أحمد بن شاهين ، ثنا العباس بن العباس بن المغيرة الجوهري ، ثنا عمي القاسم ، حدثني أبو بكر بن عفان ، قال : سمعت بشر بن الحارث ، يقول : بلغني أن بنتا لفتح الموصلي عريت ، فقيل له : ألا تطلب من يكسوها ؟ فقال : " لا ، أدعها حتى يرى الله عز وجل عريها وصبري عليها " .

              قال : وكان إذا كان ليالي الشتاء جمع عياله ، وقام بكسائه عليهم ، ثم قال : " اللهم أفقرتني وأفقرت عيالي ، وجوعتني وجوعت عيالي ، وأعريتني وأعريت عيالي ، بأي وسيلة توسلتها إليك ، وإنما تفعل هذا بأوليائك وأحبابك ، فهل أنا منهم حتى أفرح ؟ " .

              حدثنا أبو عمر محمد بن عبد الله بن محمد ، ثنا محمد بن عبد الله بن معروف ، [ ص: 294 ] قال : قرأت على سهل بن علي الدوري ، ثنا أبو عمران موسى بن عيسى الجصاص ، ثنا أبو نصر بشر بن الحارث ، قال : قال فتح الموصلي : " من أدام النظر بقلبه ورثه ذلك الفرح بالمحبوب ، ومن آثره على هواه ورثه ذلك حبه إياه ، ومن اشتاق إليه وزهد فيما سواه ، ورعى حقه وخافه بالغيب ورثه ذلك النظر إلى وجهه الكريم " .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، وأبي ، قالا : ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا أبو موسى عمران بن موسى الطرسوسي ، قال : مر فتح الموصلي بصبيين مع أحدهما كسرة عليها عسل ، ومع الآخر كسرة عليها كامخ ، فقال الذي معه الكامخ للذي معه العسل : أطعمني من خبزك ، قال : إن كنت كلبا لي أطعمتك ، قال : نعم ، فأطعمه من خبزه ، وجعل في فمه خيطا ، وجعل يقوده ، فقال فتح : " لو رضيت بخبزك ما كنت كلبا لهذا " ، قال أبو موسى : فهكذا الدنيا .

              حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، حدثني عبد الرحيم بن يحيى ، ثنا عثمان بن عمارة ، قال : غبت غيبة ، فلما قدمت لقيت فتحا الموصلي في حانوت سالم الدورقي ، فقال لي : " يا بصري ، أي شيء رأيت في غيبتك ؟ فقلت : رأيت عجائب كثيرة وأخبارا مختلفة ، فصاح صيحة ، فقلت : " أنت تصيح من الخبر ، فكيف لو شاهدت القيامة أو شاهدت صاحب القيامة ، فشهق شهقة ، ووثب من الحانوت ، فخر مغشيا عليه ، فحملناه فأدخلناه الحانوت ، فما زال مغشيا عليه إلى العصر ، فلما صلينا العصر تنفس ، ثم فتح عينيه ، فقال لي : كيف قلت ؟ فقلت له : اسكت ، فقلت لعثمان : لم صحت به ؟ قال : مخافة إن رددت عليه القول أن أقتله " .

              حدثنا محمد بن أحمد بن أبان ، حدثني أبي ، ثنا عبد الله بن محمد بن سفيان ، حدثني الحسين بن علي بن يزيد الصدائي ، قال : قال رجل لفتح الموصلي : ادع الله ، فقال : " اللهم هبنا عطاءك ولا تكشف عنا غطاءك ، وأرضنا بقضائك " .

              حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا أبو بكر بن سفيان ، ثنا رباح بن الجراح العبدي ، قال : جاء فتح الموصلي إلى صديق له ، يقال له عيسى التمار ، فلم يجده في المنزل ، فقال للخادم : أخرجي إلي كيس أخي ، فأخذ منه درهمين ، وجاء عيسى إلى منزله ، فأخبرته الجارية بمجيء فتح وأخذه الدرهمين ، فقال : إن [ ص: 294 ] كنت صادقة فأنت حرة ، فنظر فإذا هي صادقة ، فعتقت .

              حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد ، ثنا هارون بن عبد الله ، ثنا سيار ، حدثني محمد بن عبد الرحمن بن حبيب الطفاوي ، قال : دخلت على فتح الموصلي ، وهو يوقد بالأجر ، وكان فتح رجلا من العرب ، وكان شريفا زاهدا .

              أدرك فتح الموصلي عيسى بن يونس وأقرانه ، وأسند عن عيسى .

              حدثنا أحمد بن إبراهيم بن جعفر ، ثنا أبو بكر العطار ، ثنا محمد بن هارون الهاشمي ، ثنا أبو حفص ابن أخت بشر الحافي ، قال : كنت جالسا عند خالي بشر بن الحارث فدق الباب ، فقال : انظر من هذا ، فخرجت فإذا أنا بشيخ عليه جبة من صوف وعلى رأسه مئزر من صوف ، وبيده ركوة ، فقال : تقول لأبي نصر ، أخوك أبو بكر قد طلبك ، فأعلمته ووصفته له فخرج خالي مسرعا فسلم عليه ، ثم أخذ بيده وأدخله ، فجعل يسائله ، ثم قال له : ما جاء بك ؟ قال : حديث سمعته أنا وأنت من عيسى بن يونس في الغسل ، وقد شككت فيه ، فقام خالي فأخرج قمطرا ففتشها ثم أخرج دفترا من قراطيس ، فقرأ فيه ، فقال : حدثنا عيسى بن يونس ، ثنا أشعث بن عبد الملك عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا قعد بين شعبها الأربع واجتهد فقد وجب الغسل " ، فقال الشيخ : اسمعه مني لا أكون أغلط ، فقال له خالي : هاته ، فقال الشيخ : حدثنا عيسى بن يونس ، ثنا أشعث بن عبد الملك ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا قعد بين شعبها الأربع واجتهد فقد وجب الغسل " ، ثم سلم على خالي وانصرف ، قلت له : يا أبا نصر ، من هذا ؟ فقال لي : هذا فتح الموصلي .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية