الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الباب الثالث في ثمرة اللعان ، وشروطه ، وصفته ، وأحكامه

                                                                                                                                                                        فيه أطراف .

                                                                                                                                                                        الأول : في ثمرات اللعان ، وهي نفي النسب وقطع النكاح ، وتحريمها مؤبدا ، ودفع المحذور الذي يلحقه بالقذف ، وإثبات حد الزنا عليها .

                                                                                                                                                                        قلت : ومن الثمرات : سقوط حد قذف الزاني بها عن الزوج إن سماه في [ ص: 332 ] لعانه ، وكذا إن لم يسمه على خلاف فيه . ومنها : سقوط حصانتها في حق الزوج إن لم تلاعن هي كما سيأتي إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        ومنها : تشطير الصداق قبل الدخول . ومنها : استباحة نكاح أختها وأربع سواها في عدتها . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولا يشترط لجواز اللعان ، تعلق جميع ثمراته به ، بل منها ما يستقل بإفادة حق جوازه ، ومنها خلافه ، فنفي النسب ، هو المقصود الأصلي ، فيجوز اللعان له وحده . وإن كان لا ينقطع به نكاح ، ولا يسقط به عقوبة ، بأن كان أبانها ، أو عفت عن العقوبة ، أو أقام بينة بزناها .

                                                                                                                                                                        وأما دفع عقوبة القذف ، فيجوز اللعان لمجرد دفع الحد ، وإن لم يكن نكاح ولا نسب ، فإن كان الواجب التعزير ، فالتعزير المشروع عند القذف نوعان : تعزير تكذيب ، وهو المشروع في حق القاذف الكاذب ظاهرا ، بأن قذف زوجته الذمية أو الرقيقة ، أو الصغيرة التي يوطأ مثلها ، وتعزير تأديب ، وهو أن يكون كذبه معلوما ، أو صدقه ظاهرا ، فيعزر لا تكذيبا له ، بل تأديبا لئلا يعود إلى السب والإيذاء ، بأن قذف زوجته الصغيرة التي لا يوطأ مثلها ، أو قذف الكبيرة بزنا ثبت بالبينة ، أو بإقرارها ، فلا يحد لسقوط حصانتها ، ويعزر تأديبا للإيذاء بتحديد ذكر الفاحشة .

                                                                                                                                                                        فأما النوع الأول ، فيستوفى بطلبها ، وله إسقاطه باللعان على الصحيح .

                                                                                                                                                                        وأما النوع الثاني ، فلا يلاعن لدفع تعزير التي لا يوطأ مثلها وإن كبرت وطالبت ، لأنه لا يعزر للقذف . فإنه أتى بمحال لا يلحقها به عار ، وإنما يعزر منعا له من الإيذاء ، والخوض في الباطل . وفيه وجه سيعود إن شاء الله تعالى . وإن قذف الكبيرة بزنا ثبت ببينة أو إقرارها ، قال الشافعي رضي الله عنه في [ ص: 333 ] رواية المزني : عزر إن طلبت ذلك ، ولم يلتعن ، وفي رواية الربيع : يعزر إن طلبت ذلك إن لم يلتعن . وللأصحاب طرق ، أشهرها قولان . أظهرهما : لا يلاعن ، والطريق الثاني وهو الأصح ، وبه قال أبو إسحاق والقاضي أبو حامد : لا يلاعن قطعا ، ورد رواية الربيع . والثالث : يلاعن قطعا ، وتأول رواية المزني . والرابع : إن قذفها بزنا أضافه إلى ما قبل الزوجية وأثبته ببينة ثم قذفها به ، لم يلاعن ، وإن قذفها بزنا في الزوجية ، وأثبته ببينة ، ثم قذفها به ، لاعن ، وحمل النصين عليهما ، ثم ظاهر نصه في الروايتين أنه لا يعزر إلا بطلبها . وحكى الإمام وجها : أنه يعزره السلطان سياسة وإن لم تطلب ، كما يعزر من يقول : الناس زناة ، والصحيح الأول . قال الإمام : وليس هذا موضع الخلاف ، إنما موضعه ما إذا أضاف الزنا إلى حالة لا تحتمل الوطء ، بأن قال : زنيت وأنت بنت شهر ، لأن المحال لا يتأدى منه .

                                                                                                                                                                        قلت : وفي المسألة طريق خامس اختاره صاحب " الحاوي " ، وحكاه الشاشي : إن كان ثم ولد ، لاعن ، وإلا فلا ، وحمل النصين عليهما . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قد سبق أن حد القذف يستوفى بطلب المقذوف ، وفي التعزير هذا التفصيل السابق قبل الفرع ، ثم ما كان من حد أو تعزير معلقا بطلب شخص ، سقط بعفوه إذا كان أهلا للعفو . فلو قذف زوجته ، فعفت عن الحد ولا ولد ، فليس له اللعان على الصحيح ، لعدم الضرورة ، ويجري الخلاف فيما لو ثبت زناها ببينة ، أو صدقته ولا ولد ، فلو سكت فلم تطلب الحد ولم تعف ، فليس له اللعان على الأصح عند الجمهور لما ذكرنا . ولو قذف زوجته الصغيرة أو المجنونة ، فقيل : له اللعان في الحال ليسقط التعزير ، والأصح انتظار بلوغها وعقلها وطلبها التعزير . ولو قذفها عاقلة فجنت ، أو في جنونها بزنا أضافه إلى حالة [ ص: 334 ] الإفاقة ، فعليه الحد . وهل له اللعان في الحال ، أم ينتظر الإفاقة ؟ فيه الوجهان . وفي كل هذه الصور لو كان هناك ولد ، وأراد نفيه باللعان ، كان له ذلك قطعا .

                                                                                                                                                                        قلت : وكل موضع لاعن لنفي النسب أو غيره وهي مجنونة ، فقد حقق زناها ولزمها الحد ، لكن لا تحد في جنونها ، فإذا أفاقت حدت إن لم تلاعن ، ذكره المحاملي في " المجموع " . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        زنى بك ممسوح ، أو صبي ابن شهر ، أو قال لرتقاء أو قرناء : زنيت ، فلا حد ويعزر للإيذاء ، ولا يلاعن على الصحيح ، وكذا لو قال لممسوح : زنيت ، أو لبالغ : زنيت وأنت رضيع في المهد ، فلا حد ويعزر .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية