الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
مثل أهل الثبات في الأعمال

مثل أهل الثبات في الأعمال مثل ملك له ثلاثة أعبد فأعطى كل واحد منهم قضيب كرم ليغرسه ويعمره ويثمره ويحمل شراب عصيره إليه فعمد أحدهم إلى كرمه فجعله مربى له وقام بعمارته في السقي وتقليب الأرض يكريه ويسرقنه ويشده وما يصلح لها حتى أدرك وأثمر فإذا جاء أوان عصيره فعصره فملأ زقا صافيا صرفا من العصير

[ ص: 308 ] وعمد الآخر إلى قضيبه .فسقاه سقيا دون سقي ولم يثمره ولم يقم بعمارته مثل الأول فأدرك الكرم ولكن ليس لشجرة نزاهة وطراوة ولا لعنبه من الحلاوة ما يكون لمثله فعصر وملأ زقه ممزوجا بالماء

وعمد الثالث إلى قضيبه فسقاه واحدة ولها عنه ولم يثمره ولم يقم بعمارته بشيء حتى أدرك عنبه كله حامض ليس فيه من الطراوة والماء شيء فعصره كذلك فلم يملأ الزق فنفخ فيه حتى امتلأ ريحا فصار في رأي العين كالممتلئ

يحمل كل واحد زقه إلى الملك فرأى الملك كلها في رأي عينه ممتلئ فحل من الأول وكاءه فذاقه فرآه شرابا صرفا لذيذا فأعجب الملك بذلك وقبله واستحلاه ووافقه وأعد له جزيلا وأكرمه وخلع عليه خلعة بهية فحل وكاء الثاني فذاقه فوجده ممزوجا بالماء ولم يجد له كثير حلاوة فرمى به وجهه وأخرجه من بين يديه

فلما حل وكاء الثالث خرجت الريح فبقي في الزق شيء قليل [ ص: 309 ] فلما ذاقه وجده حامضا غير مدرك فضرب بالزق على رأسه وأخرجه من بين يديه وسقطت الجلدة بين يديه

عمال الله تعالى على ثلاثة أصناف

فعمال الله تعالى ثلاثة أصناف فعامل تصدر أعمال بره من قلب سقيم فصدره مغيم بسقم قلبه من أمراض الذنوب وغيمه من دخان الشهوات وقضاء المنى فقوة عمله إنما هي من نور التوحيد فقط فإذا خرج عمله حشو نوره الذي بدر من التوحيد فالأعمال قوالب وحشوها الأنوار فصاحب هذه الصفة كصاحب زق منفوخ فيه حين حل وكاؤه خرجت الريح وبقي في أسفله شيء يسير قليل وتساقط الزق فإذا رفع عمل هذا إلى الله تعالى لم يظهر منه من النور إلا بمقدار النور الذي ذكرنا وسائرها حركات الجوارح بلا نور

والثاني خرج عمله إلى الله تعالى ممتلئا نورا ممزوجا بنور الرجاء والنوال من الله تعالى فطمع نواله أذهب حلاوة عمله

والثالث خرج عمله إلى الله تعالى ممتلئا نورا من نور القربة [ ص: 310 ] حشو ذلك النور حب الله تعالى لم يبتغ به غير وجهه الكريم من غير أن يلتفت إلى نفس ولا طمع فلما رفع إلى الله تعالى ظهر منه من النور ما أحاط بالمعرض من العرش وانتشر في جوانبه وملأ الخزائن فهذا عمل المقربين والثاني عمل المقتصدين والثالث عمل المخلصين الظالمين لأنفسهم

التالي السابق


الخدمات العلمية