الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حرث ]

                                                          حرث : الحارث والحراثة : العمل في الأرض زرعا كان أو غرسا ، وقد يكون الحارث نفس الزرع ، وبه فسر الزجاج قوله ، تعالى : أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته حرث يحرث حرثا : الأزهري : الحارث قذفك الحب في الأرض لازدراع ، والحرث : الزرع . والحراث : الزراع . وقد حرث واحترث ، مثل زرع وازدرع . والحرث : الكسب ، والفعل كالفعل ، والمصدر كالمصدر ، وهو أيضا الاحتراث . وفي الحديث : أصدق الأسماء الحارث ; لأن الحارث هو الكاسب ، واحترث المال : كسبه . والإنسان لا يخلو من الكسب طبعا واختيارا . الأزهري : والاحتراث كسب المال ; قال الشاعر يخاطب ذئبا :


                                                          ومن يحترث حرثي وحرثك يهزل



                                                          والحرث : العمل للدنيا والآخرة . وفي الحديث : ( احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ) أي اعمل لدنياك ، فخالف بين اللفظين ; قال ابن الأثير : والظاهر من لفظ هذا الحديث : أما في الدنيا فالحث على عمارتها ، وبقاء الناس فيها حتى يسكن فيها ، وينتفع بها من يجيء بعدك كما انتفعت أنت بعمل من كان قبلك وسكنت فيما عمر ؛ فإن الإنسان إذا علم أنه يطول عمره أحكم ما يعمله ، وحرص على ما يكتسبه ; وأما في جانب الآخرة ؛ فإنه حث على الإخلاص في العمل ، وحضور النية والقلب في العبادات والطاعات ، والإكثار منها ؛ فإن من يعلم أنه يموت غدا ، يكثر من عبادته ، ويخلص في طاعته ؛ كقوله في الحديث الآخر : ( صل صلاة مودع ) وقال بعض أهل العلم : المراد من هذا الحديث غير السابق إلى الفهم من ظاهره ؛ لأنه ، عليه السلام ، إنما ندب إلى الزهد في الدنيا ، والتقليل منها ، ومن الانهماك فيها ، والاستمتاع بلذاتها ، وهو الغالب على أوامره ونواهيه ، صلى الله عليه وسلم ، فيما يتعلق بالدنيا ؛ فكيف يحث على عمارتها والاستكثار منها ؟ وإنما أراد ، والله أعلم ، أن الإنسان إذا علم أنه يعيش أبدا ، قل حرصه ، وعلم أن ما يريده لا يفوته تحصيله بترك الحرص عليه والمبادرة إليه ، فإنه يقول : إن فاتني اليوم أدركته غدا ؛ فإني أعيش أبدا ؛ فقال ، عليه السلام : اعمل عمل من يظن أنه يخلد ؛ فلا تحرص في العمل . فيكون حثا له على الترك ، والتقليل بطريق أنيقة من الإشارة والتنبيه ، ويكون أمره لعمل الآخرة على ظاهره ، فيجمع بالأمرين حالة واحدة ، وهو الزهد والتقليل ، لكن بلفظين مختلفين ; قال : وقد اختصر الأزهري هذا المعنى فقال : معنى هذا الحديث تقديم أمر الآخرة وأعمالها ، حذار الموت بالفوت ، على عمل الدنيا ؛ وتأخير أمر الدنيا كراهية الاشتغال بها عن عمل الآخرة . والحرث : كسب المال وجمعه . والمرأة حرث الرجل أي يكون ولده منها ؛ كأنه يحرث ليزرع . وفي التنزيل العزيز : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم قال الزجاج : زعم أبو عبيدة أنه كناية ; قال : والقول عندي فيه أن معنى حرث لكم : فيهن تحرثون الولد واللدة ؛ فأتوا حرثكم أنى شئتم ; أي ائتوا مواضع حرثكم ، كيف شئتم ، مقبلة ومدبرة . الأزهري : حرث الرجل إذا جمع بين أربع نسوة . وحرث أيضا إذا تفقه وفتش . وحرث إذا اكتسب لعياله واجتهد لهم ، يقال : هو يحرث لعياله ويحترث أي يكتسب . ابن الأعرابي : الحارث الجماع الكثير . وحرث الرجل : امرأته ; وأنشد المبرد :


                                                          إذا أكل الجراد حروث قوم     فحرثي همه أكل الجراد



                                                          والحرث : متاع الدنيا . وفي التنزيل العزيز : ومن كان يريد حرث الدنيا أي من كان يريد كسب الدنيا . والحرث : الثواب والنصيب . وفي التنزيل العزيز : من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه وحرثت النار : حركتها . والمحراث : خشبة تحرك بها النار في التنور . والحرث : إشعال النار ، ومحراث النار : مسحاتها التي تحرك بها النار . ومحراث الحرب : ما يهيجها . وحرث الأمر : تذكره واهتاج له ; قال رؤبة :


                                                          والقول منسي إذا لم يحرث



                                                          والحراث : الكثير الأكل ; عن ابن الأعرابي . وحرث الإبل والخيل ، وأحرثها : أهزلها . وحرث ناقته حرثا وأحرثها إذا سار عليها حتى تهزل . وفي حديث بدر : اخرجوا إلى معايشكم وحرائثكم ، واحدها حريثة ; قال الخطابي : الحرائث أنضاء الإبل ; قال : وأصله في الخيل إذا هزلت ؛ فاستعير للإبل ; قال : وإنما يقال في الإبل أحرفناها ، بالفاء ; يقال : ناقة حرف أي هزيلة ; قال : وقد يراد بالحرائث المكاسب ، من الاحتراث الاكتساب ; ويروى حرائبكم بالحاء والباء الموحدة ، جمع حريبة ، وهو مال الرجل الذي يقوم بأمره ، وقد تقدم ، والمعروف بالثاء . وفي حديث معاوية أنه قال للأنصار : ما فعلت نواضحكم ؟ قالوا : حرثناها يوم بدر ; أي أهزلناها ; يقال : حرثت الدابة وأحرثتها أي أهزلتها ، قالابن الأثير : وهذا يخالف قول الخطابي ، وأراد معاوية بذكر النواضح تقريعا لهم وتعريضا ؛ لأنهم كانوا أهل زرع وسقي ؛ فأجابوه بما أسكته ، تعريضا بقتل أشياخه يوم بدر . الأزهري : أرض محروثة ومحرثة : وطئها الناس حتى أحرثوها وحرثوها ، ووطئت حتى أثاروها ، وهو فساد إذا وطئت ؛ فهي محرثة ومحروثة تقلب للزرع ، وكلاهما يقال بعد . والحرث : المحجة المكدودة بالحوافر . والحرثة : الفرضة التي في طرف القوس للوتر . ويقال : هو حرث القوس والكظرة ، وهو فرض ، وهي من القوس حرث . وقد حرثت القوس أحرثها إذا هيأت موضعا لعروة الوتر ; قال : والزندة تحرث ثم تكظر بعد الحارث ؛ فهو حرث ما لم ينفذ ؛ فإذا أنفذ ، فهو كظر ؛ ابن سيده : والحراث مجرى الوتر في القوس ، وجمعه أحرثة . ويقال : احرث القرآن أي ادرسه ، وحرثت القرآن أحرثه إذا أطلت دراسته وتدبرته . والحرث : تفتيش الكتاب وتدبره ; ومنه حديث عبد الله : احرثوا هذا القرآن أي فتشوه وثوروه . والحرث : التفتيش ، والحرثة : ما بين منتهى الكمرة ومجرى الختان . [ ص: 74 ] والحرثة أيضا : المنبت ، عن ثعلب ; الأزهري : الحارث أصل جردان الحمار ; والحراث : السهم قبل أن يراش ، والجمع أحرثة . الأزهري الحرثة : عرق في أصل أداف الرجل . والحارث : اسم ; قال سيبويه : قال الخليل إن الذين قالوا الحارث ، إنما أرادوا أن يجعلوا الرجل هو الشيء بعينه ، ولم يجعلوه سمي به ، ولكنهم جعلوه كأنه وصف له غلب عليه ; قال : ومن قال حارث ، بغير ألف ولام ؛ فهو يجريه مجرى زيد ، وقد ذكرنا مثل ذلك في الحسن اسم رجل ; قال ابن جني : إنما تعرف الحارث ونحوه من الأوصاف الغالبة بالوضع دون اللام ، وإنما أقرت اللام فيها بعد النقل ، وكونها أعلاما مراعاة لمذهب الوصف فيها قبل النقل ، وجمع الأول : الحرث والحراث ، وجمع حارث حرث وحوارث ; قال سيبويه : ومن قال حارث ، قال في جمعه : حوارث ، حيث كان اسما خاصا ، كزيد ، فافهم . وحويرث ، وحريث ، وحرثان ، وحارثة ، وحراث ، ومحرث : أسماء ; قال ابن الأعرابي : هو اسم جد صفوان بن أمية بن محرث ، وصفوان هذا أحد حكام كنانة ، و أبو الحارث : كنية الأسد . والحارث : قلة من قلل الجولان ، وهو جبل بالشأم في قول النابغة الذبياني يرثي النعمان بن المنذر :


                                                          بكى حارث الجولان من فقد ربه     وحوران منه خائف متضائل



                                                          قوله : من فقد ربه ; يعني النعمان ; قال ابن بري وقوله :


                                                          وحوران منه خائف متضائل



                                                          كقول جرير :


                                                          لما أتى خبر الزبير ، تواضعت     سور المدينة ، والجبال الخشع



                                                          والحارثان : الحارث بن ظالم بن حذيمة بن يربوع بن غيظ بن مرة ، والحارث بن عوف بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ بن مرة ، صاحب الحمالة . قال ابن بري : ذكر الجوهري في الحارثين الحارث بن ظالم بن حذيمة بالحاء غير المعجمة . ابن يربوع قال : والمعروف عند أهل اللغة جذيمة ، بالجيم . والحارثان في باهلة : الحارث بن قتيبة ، والحارث بن سهم بن عمرو بن ثعلبة بن غنم بن قتيبة . وقولهم : بلحرث ، لبني الحارث بن كعب ، من شواذ الإدغام ، لأن النون واللام قريبا المخرج ، فلما لم يمكنهم الإدغام بسكون اللام ، حذفوا النون كما قالوا : مست وظلت ، وكذلك يفعلون بكل قبيلة تظهر فيها لام المعرفة ، مثل بلعنبر وبلهجيم ، فأما إذا لم تظهر اللام ؛ فلا يكون ذلك . وفي الحديث : وعليه خميصة حريثية ; قال ابن الأثير : هكذا جاء في بعض طرق البخاري ومسلم ; قيل : هي منسوبة إلى حريث ، رجل من قضاعة ; قال : والمعروف جونية ، وهو مذكور في موضعه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية