الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حرج ]

                                                          حرج : الحرج والحرج : الإثم . والحارج : الآثم ; قال ابن سيده : أراه على النسب ؛ لأنه لا فعل له . والحرج والحرج والمتحرج : الكاف عن الإثم . وقولهم : رجل متحرج ؛ كقولهم : رجل متأثم ومتحوب ومتحنث ، يلقي الحرج والحنث والحوب والإثم عن نفسه . ورجل متلوم إذا تربص بالأمر يريد إلقاء الملامة عن نفسه ; قال الأزهري : وهذه حروف جاءت معانيها مخالفة لألفاظها ; وقال : قال ذلك أحمد بن يحيى . وأحرجه أي آثمه . وتحرج : تأثم . والتحريج : التضييق ; وفي الحديث : ( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ) . قال ابن الأثير : الحرج في الأصل الضيق ، ويقع على الإثم والحرام ; وقيل : الحرج أضيق الضيق ; فمعناه أي لا بأس ولا إثم عليكم أن تحدثوا عنهم ما سمعتم ، وإن استحال أن يكون في هذه الأمة مثل ما روي أن ثيابهم كانت تطول ، وأن النار كانت تنزل من السماء فتأكل القربان وغير ذلك ، لا أن نتحدث عنهم بالكذب . ويشهد لهذا التأويل ما جاء في بعض رواياته فإن فيهم العجائب ; وقيل : معناه أن الحديث عنهم إذا أديته على ما سمعته ، حقا كان أو باطلا ، لم يكن عليك إثم لطول العهد ووقوع الفترة ، بخلاف الحديث عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه إنما يكون بعد العلم بصحة روايته وعدالة رواته ; وقيل : معناه أن الحديث عنهم ليس على الوجوب لأن قوله ، عليه السلام ، في أول الحديث : ( بلغوا عني ) على الوجوب ، ثم أتبعه بقوله : ( وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج عليكم إن لم تحدثوا عنهم ) . قال : ومن أحاديث الحرج قوله ، عليه السلام ، في قتل الحيات : ( فليحرج عليها ) هو أن يقول لها : أنت في حرج أي في ضيق ، إن عدت إلينا فلا تلومينا أن نضيق عليك بالتتبع والطرد والقتل . قال : ومنها حديث اليتامى : ( تحرجوا أن يأكلوا معهم ) أي ضيقوا على أنفسهم . وتحرج فلان إذا فعل فعلا يتحرج به ، من الحرج ، الإثم والضيق ; ومنه الحديث : ( اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة ) أي أضيقه وأحرمه على من ظلمهما ; وفي حديث ابن عباس في صلاة الجمعة : كره أن يحرجهم أي يوقعهم في الحرج . قال ابن الأثير : وورد الحرج في أحاديث كثيرة وكلها راجعة إلى هذا المعنى . ورجل حرج وحرج : ضيق الصدر ; وأنشد :


                                                          لا حرج الصدر ولا عنيف



                                                          والحرج : الضيق . وحرج صدره يحرج حرجا : ضاق فلم ينشرح لخير ، فهو حرج وحرج ، فمن قال حرج ؛ ثنى وجمع ، ومن قال حرج أفرد ، لأنه مصدر . وقوله تعالى : يجعل صدره ضيقا حرجا وحرجا ; قال الفراء : قرأها ابن عباس وعمر ، رضي الله عنهما ، حرجا ، وقرأها الناس حرجا . قال : والحرج فيما فسر ابن عباس هو الموضع الكثير الشجر الذي لا يصل إليه الراعية ; قال : وكذلك صدر الكافر لا يصل إليه الحكمة ; قال : وهو في كسره ونصبه بمنزلة الوحد والوحد ، والفرد والفرد ، والدنف والدنف . وقال الزجاج : الحرج في اللغة أضيق الضيق ، ومعناه أنه ضيق جدا . قال : ومن قال رجل حرج الصدر فمعناه ذو حرج في صدره ، ومن قال حرج جعله فاعلا ; وكذلك رجل دنف ذو دنف ، ودنف نعت ; الجوهري : ومكان حرج وحرج أي مكان ضيق كثير الشجر . والحرج : الذي لا يكاد يبرح القتال ; قال :


                                                          منا الزوين الحرج المقاتل



                                                          والحرج : الذي لا ينهزم كأنه يضيق عليه العذر في الانهزام . والحرج : [ ص: 75 ] الذي يهاب أن يتقدم على الأمر ، وهذا ضيق أيضا . وحرج إليه : لجأ عن ضيق . وأحرجه إليه : ألجأه وضيق عليه . وحرج فلان على فلان إذا ضيق عليه ، وأحرجت فلانا : صيرته إلى الحرج ، وهو الضيق ; وأحرجته : ألجأته إلى مضيق ، وكذلك أحجرته وأحردته ، بمعنى واحد ; ويقال : أحرجني إلى كذا وكذا فحرجت إليه أي انضممت . وأحرج الكلب والسبع : ألجأه إلى مضيق فحمل عليه . وحرج الغبار ، فهو حرج : ثار في موضع ضيق ، فانضم إلى حائط أو سند ; قال :


                                                          وغارة يحرج القتام لها     يهلك فيها المناجد البطل



                                                          قال الأزهري : قال الليث : يقال للغبار الساطع المنضم إلى حائط أو سند قد حرج إليه ; وقال لبيد :


                                                          حرجا إلى أعلامهن قتامها



                                                          ومكان حرج وحريج ; قال :


                                                          وما أبهمت فهو حج حريج



                                                          وحرجت عينه تحرج حرجا أي حارت ; قال ذو الرمة :


                                                          تزداد للعين إبهاجا إذا سفرت     وتحرج العين فيها حين تنتقب



                                                          وقيل : معناه أنها لا تنصرف ولا تطرف من شدة النظر . الأزهري : الحرج أن ينظر الرجل فلا يستطيع أن يتحرك من مكانه فرقا وغيظا . وحرج عليه السحور إذا أصبح قبل أن يتسحر ، فحرم عليه لضيق وقته . وحرجت الصلاة على المرأة حرجا : حرمت ، وهو من الضيق لأن الشيء إذا حرم فقد ضاق . وحرج علي ظلمك حرجا أي حرم . ويقال : أحرج امرأته بطلقة أي حرمها ; ويقال : أكسعها بالمحرجات ؟ يريد بثلاث تطليقات . الأزهري : وقرأ ابن عباس ، رضي الله عنهما : وحرث حرج أي حرام ; وقرأ الناس : وحرث حجر . الجوهري : والحرج لغة في الحرج ، وهو الإثم ; قال : حكاه يونس . والحرجة : الغيضة لضيقها ; وقيل : الشجر الملتف ، وهي أيضا الشجرة تكون بين الأشجار لا تصل إليها الآكلة ، وهي ما رعى من المال . والجمع من كل ذلك : حرج وأحراج وحرجات ; قال الشاعر :


                                                          أيا حرجات الحي حين تحملوا     بذي سلم لا جادكن ربيع !



                                                          وحراج ; قال رؤبة :


                                                          عاذا بكم من سنة مسحاج     شهباء تلقي ورق الحراج



                                                          وهي المحاريج . وقيل : الحرجة تكون من السمر والطلح والعوسج والسلم والسدر ; وقيل : هو ما اجتمع من السدر والزيتون وسائر الشجر ; وقيل : هي موضع من الغيضة تلتف فيه شجرات قدر رمية حجر ; قال أبو زيد : سميت بذلك لالتفافها وضيق المسلك فيها . وقال الجوهري : الحرجة مجتمع شجر . قال الأزهري : قال أبو الهيثم : الحراج غياض من شجر السلم ملتفة ، لا يقدر أحد أن ينفذ فيها ; قال العجاج :


                                                          عاين حيا كالحراج نعمه     يكون أقصى شله محرنجمه



                                                          وفي حديث حنين : حتى تركوه في حرجة ; الحرجة بالفتح والتحريك : مجتمع شجر ملتف كالغيضة . وفي حديث معاذ بن عمرو : نظرت إلى أبي جهل في مثل الحرجة . والحديث الآخر : إن موضع البيت كان في حرجة وعضاه . وحراج الظلماء : ما كثف والتف ; قال ابن ميادة :


                                                          ألا طرقتنا أم أوس ودونها     حراج من الظلماء يعشى غرابها ؟



                                                          خص الغراب لحدة البصر ، يقول : فإذا لم يبصر فيها الغراب مع حدة بصره فما ظنك بغيره ؟ والحرجة : الجماعة من الإبل ، قال ابن سيده : والحرجة مائة من الإبل . وركب الحرجة أي الطريق ; وقيل : معظمه ، وقد حكيت بجيمين . والحرج : سرير يحمل عليه المريض أو الميت ; وقيل : هو خشب يشد بعضه إلى بعض قال امرؤ القيس :


                                                          فإما تريني في رحالة جابر     على حرج كالقر تخفق أكفاني



                                                          ابن بري : أراد بالرحالة الخشب الذي يحمل عليه في مرضه ، وأراد بالأكفان ثيابه التي عليه لأنه قدر أنها ثيابه التي يدفن فيها . وخفقها ضرب الريح لها . وأراد بجابر جابر بن حني التغلبي ، وكان معه في بلاد الروم ، فلما اشتدت علته صنع له من الخشب شيئا كالقر يحمل فيه ; والقر : مركب من مراكب الرجال بين الرحل والسرج . قال : كذا ذكره أبو عبيد ، وقال غيره : هو الهودج . الجوهري : الحرج خشب يشد بعضه إلى بعض تحمل فيه الموتى ، وربما وضع فوق نعش النساء . قال الأزهري : وحرج النعش شجار من خشب جعل فوق نعش الميت ، وهو سريره . قال الأزهري : وأما قول عنترة يصف ظليما وقلصه :


                                                          يتبعن قلة رأسه وكأنه     حرج على نعش لهن مخيم



                                                          هذا يصف نعامة يتبعها رئالها ، وهو يبسط جناحيه ويجعلها تحته . قال ابن سيده : والحرج مركب للنساء والرجال ليس له رأس . والحرج والحرج : الشخص . والحرج من الإبل : التي لا تركب ولا يضربها الفحل ليكون أسمن لها إنما هي معدة ; قال لبيد :


                                                          حرج في مرفقيها كالفتل



                                                          قال الأزهري : هذا قول الليث ، وهو مدخول . والحرج والحرجوج : الناقة الجسيمة الطويلة على وجه الأرض ; وقيل : الشديدة ، وقيل : هي الضامرة وجمعها حراجيج . وأجاز بعضهم : ناقة حرجج ، بمعنى الحرجوج ، وأصل الحرجوج حرجج ، وأصل الحرجج حرج ، بالضم . وفي الحديث : قدم وفد مذحج على حراجيج ، جمع حرجوج وحرجيج ، وهي الناقة الطويلة ; وقيل : الضامرة ، وقيل : الحرجوج الوقادة الحادة القلب ; قال :


                                                          أذاك ولم ترحل إلى أهل مسجد [ ص: 76 ]     برحلي حرجوج عليها النمارق



                                                          والحرجوج : الريح الباردة الشديدة ; قال ذو الرمة :


                                                          أنقاء سارية حلت عزاليها     من آخر الليل ، ريح غير حرجوج



                                                          وحرج الرجل أنيابه يحرجها حرجا : حك بعضها إلى بعض من الحرد ; قال الشاعر :


                                                          ويوم تحرج الأضراس فيه     لأبطال الكماة ، به أوام



                                                          والحرج ، بكسر الحاء : القطعة من اللحم ، وقيل : هي نصيب الكلب من الصيد وهو ما أشبه الأطراف من الرأس والكراع والبطن ، والكلاب تطمع فيها . قال الأزهري : الحرج ما يلقى للكلب من صيده ، والجمع أحراج ; قال جحدر يصف الأسد :


                                                          وتقدمي لليث أمشي نحوه     حتى أكابره على الأحراج



                                                          وقال الطرماح :


                                                          يبتدرن الأحراج كالثول ، والحر     ج لرب الكلاب يصطفده



                                                          يصطفده أي يدخره ويجعله صفدا لنفسه ويختاره ; شبه الكلاب في سرعتها بالزنابير ، وهي الثول . وقال الأصمعي : أحرج لكلبك من صيده فإنه أدعى إلى الصيد . وقال المفضل : الحرج حبال تنصب للسبع ; قال الشاعر :


                                                          وشر الندامى من تبيت ثيابه     مجففة كأنها حرج حابل



                                                          والحرج : الودعة ، والجمع أحراج وحراج ; وقول الهذلي :


                                                          ألم تقتلوا الحرجين ، إذ أعرضا لكم     يمران بالأيدي اللحاء المضفرا ؟



                                                          إنما عنى بالحرجين رجلين أبيضين كالودعة ؛ فإما أن يكون البياض لونهما ، وإما أن يكون كنى بذلك عن شرفهما ، وكان هذان الرجلان قد قشرا لحاء شجر الكعبة ليتخفرا بذلك . والمضفر : المفتول كالضفيرة . والحرج : قلادة الكلب ، والجمع أحراج وحرجة ; قال :


                                                          بنواشط غضف يقلدها الأ     حراج ، فوق متونها لمع



                                                          الأزهري : ويقال ثلاثة أحرجة ، وكلب محرج ، وكلاب محرجة أي مقلدة ; وأنشد في ترجمة عضرس :


                                                          محرجة حص كأن عيونها     إذا أيه القناص بالصيد ، عضرس



                                                          محرجة : مقلدة بالأحراج ، جمع حرج للودعة . وحص : قد انحص شعرها ، وقال الأصمعي في قوله :


                                                          طاوي الحشا قصرت عنه محرجة



                                                          قال : محرجة : في أعناقها حرج ، وهو الودع . والودع : خرز يعلق في أعناقها . الأزهري : والحرج القلادة لكل حيوان . قال : والحرج : الثياب التي تبسط على حبل لتجف ، وجمعها حراج في جمعها . والحرج : جماعة الغنم ، عن كراع ، وجمعه أحراج . والحرج : موضع معروف .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية