الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2080 ) مسألة : قال : ( والحامل إذا خافت على جنينها ، والمرضع على ولدها ، أفطرتا ، وقضتا ، وأطعمتا عن كل يوم مسكينا ) وجملة ذلك أن الحامل والمرضع ، إذا خافتا على أنفسهما ، فلهما الفطر ، وعليهما القضاء فحسب . لا نعلم فيه بين أهل العلم اختلافا ; لأنهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه . وإن خافتا على ولديهما أفطرتا ، وعليهما القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم . وهذا يروى عن ابن عمر . وهو المشهور من مذهب الشافعي .

                                                                                                                                            وقال الليث : الكفارة على المرضع دون الحامل . وهو إحدى الروايتين عن مالك ، لأن المرضع يمكنها أن تسترضع لولدها ، بخلاف الحامل ، ولأن الحمل متصل بالحامل ، فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها . وقال عطاء ، والزهري ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، والنخعي ، وأبو حنيفة : لا كفارة عليهما ; لما روى أنس بن مالك رجل من بني كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة ، وعن الحامل والمرضع الصوم - أو - الصيام } والله لقد قالهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما أو كليهما . رواه النسائي ، والترمذي . وقال : هذا حديث حسن .

                                                                                                                                            ولم يأمره بكفارة ، ولأنه فطر أبيح لعذر ، فلم يجب به كفارة ، كالفطر للمرض . ولنا قول الله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } . وهما داخلتان في عموم الآية . قال ابن عباس : كانت رخصة للشيخ الكبير ، والمرأة الكبيرة ، وهما يطيقان الصيام ، أن يفطرا ، ويطعما مكان كل يوم مسكينا ، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما ، أفطرتا ، وأطعمتا . رواه أبو داود . وروي ذلك عن ابن عمر ، ولا مخالف لهما في الصحابة .

                                                                                                                                            ولأنه فطر بسبب نفس عاجزة عن طريق الخلقة ، فوجبت به الكفارة ، كالشيخ الهرم ، وخبرهم لم يتعرض للكفارة ، فكانت موقوفة على الدليل ، كالقضاء ، فإن الحديث لم يتعرض له ، والمريض أخف حالا من هاتين ; لأنه يفطر بسبب نفسه . إذا ثبت هذا ، فإن الواجب في إطعام المسكين مد بر ، أو نصف صاع من تمر ، أو شعير . والخلاف فيه ، كالخلاف في إطعام المساكين في كفارة الجماع ، إذا ثبت هذا ، فإن القضاء لازم لهما . وقال ابن عمر ، وابن عباس : لا قضاء عليهما ; لأن الآية تناولتهما ، وليس فيها إلا الإطعام ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن الله وضع عن الحامل والمرضع الصوم } . ولنا أنهما يطيقان القضاء ، فلزمهما ، كالحائض والنفساء ، والآية أوجبت الإطعام ، ولم تتعرض للقضاء ، فأخذناه من دليل آخر . والمراد بوضع الصوم وضعه في مدة عذرهما ، كما جاء في حديث عمرو بن أمية ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : [ ص: 38 ] { إن الله وضع عن المسافر الصوم } . ولا يشبهان الشيخ الهرم ، لأنه عاجز عن القضاء ، وهما يقدران عليه .

                                                                                                                                            قال أحمد : أذهب إلى حديث أبي هريرة . يعني ولا أقول بقول ابن عباس وابن عمر في منع القضاء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية