الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 304 ]

                                                                                                                                                                                                                                        سورة العلق

                                                                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                        اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم

                                                                                                                                                                                                                                        قوله : اقرأ باسم ربك الذي خلق روي عن عبيد بن عمير قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أول ما أتاه بنمط فغطه فقال : اقرأ ، فقال : والله ما أنا بقارئ ، فغطه ثم قال : اقرأ ، فقال : والله ما أنا بقارئ فغطه غطا شديدا ثم قال : اقرأ باسم ربك الذي خلق أي استفتح قراءتك باسم ربك الذي خلق وإنما قال الذي خلق لأن قريشا كانت تعبد آلهة ليس فيهم خالق غيره تعالى ، فميز نفسه بذلك ليزول عنه الالتباس . روت عائشة رضي الله عنها أنها أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعدها ن والقلم ثم بعدها يا أيها المدثر ثم بعدها والضحى . خلق الإنسان من علق يريد بالإنسان جنس الناس كلهم ، خلقوا من علق بعد النطفة ، والعلق جمع علقة ، والعلقة قطعة من دم رطب سميت بذلك لأنها تعلق [ ص: 305 ]

                                                                                                                                                                                                                                        لرطوبتها بما تمر عليه ، فإذا جفت لم تكن علقة ، قال الشاعر


                                                                                                                                                                                                                                        تركناه يخر على يديه يمج عليهما علق الوتين



                                                                                                                                                                                                                                        ويحتمل مراده بذلك وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أن يبين قدر نعمته على الإنسان بأن خلقه من علقة مهيئة حتى صار بشرا سويا وعاقلا متميزا .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه كما نقل الإنسان من حال إلى حال حتى استكمل ، كذلك نقلك من الجهالة إلى النبوة حتى تستكمل محلها . اقرأ وربك الأكرم أي الكريم . ويحتمل ثانيا : اقرأ بأن ربك هو الأكرم ، لأنه لما ذكر ما تقدم من نعمه دل بها على نعمة كرمه . قال إبراهيم بن عيسى اليشكري : من كرمه أن يرزق عبده وهو يعبد غيره . الذي علم بالقلم أي علم الكاتب أن يكتب بالقلم ، وسمي قلما لأنه يقلم أي يقطع ، ومنه تقليم الظفر . وروى مجاهد عن ابن عمر قال : خلق الله تعالى أربعة أشياء بيده ثم قال لسائر الخلق : كن ، فكان ، القلم والعرش وجنة عدن وآدم . وفيمن علمه بالقلم ثلاثة أقاويل : أحدها : أنه أراد آدم عليه السلام ، لأنه أول من كتب ، قاله كعب الأحبار .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : إدريس وهو أول من كتب ، قاله الضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أنه أراد كل من كتب بالقلم لأنه ما علم إلا بتعليم الله له ، وجمع بذلك بين نعمته تعالى عليه في خلقه وبين نعمته تعالى عليه في تعليمه استكمالا للنعمة عليه . علم الإنسان ما لم يعلم فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : الخط بالقلم ، قاله قتادة وابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : علمه كل صنعه علمها فتعلم ، قاله ابن شجرة . ويحتمل ثالثا : علمه من حاله في ابتداء خلقه ما يستدل به على خلقه وأن ينقله من بعد على إرادته .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 306 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية