الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب التغليظ في تفويت صلاة العصر

                                                                                                                626 وحدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد قالا حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال عمرو يبلغ به وقال أبو بكر رفعه

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله ) روي بنصب اللامين ورفعهما ، والنصب هو الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور على أنه مفعول ثان ، ومن رفع فعلى ما لم يسم فاعله . ومعناه : انتزع منه أهله وماله ، وهذا تفسير مالك بن أنس . وأما على رواية النصب فقال [ ص: 267 ] الخطابي وغيره : معناه نقص هو أهله وماله وسلبه ، فبقي بلا أهل ولا مال ، فليحذر من تفويتها كحذره من ذهاب أهله وماله .

                                                                                                                وقال أبو عمر بن عبد البر : معناه عند أهل اللغة والفقه أنه كالذي يصاب بأهله وماله إصابة يطلب بها وترا ، والوتر الجناية التي يطلب ثأرها فيجتمع عليه غمان : غم المصيبة وغم مقاساة طلب الثأر . وقال الداودي من المالكية : معناه يتوجه عليه من الاسترجاع ما يتوجه على من فقد أهله وماله ، فيتوجه عليه الندم والأسف لتفويته الصلاة ، وقيل : معناه فاته من الثواب ما يلحقه من الأسف عليه كما يلحق من ذهب أهله وماله .

                                                                                                                قال القاضي عياض - رحمه الله تعالى - : واختلفوا في المراد بفوات العصر في هذا الحديث ، فقال ابن وهب وغيره : هو فيمن لم يصلها في وقتها المختار ، وقال سحنون والأصيلي : هو أن تفوته بغروب الشمس ، وقيل : هو تفويتها إلى أن تصفر الشمس ، وقد ورد مفسرا من رواية الأوزاعي في هذا الحديث . قال فيه : وفواتها أن يدخل الشمس صفرة ، وروي عن سالم أنه قال هذا فيمن فاتته ناسيا ، وعلى قول الداودي هو في العامد ، وهذا هو الأظهر ، ويؤيده حديث البخاري في صحيحه : ( من ترك صلاة العصر حبط عمله ) وهذا إنما يكون في العامد .

                                                                                                                قال ابن عبد البر : ويحتمل أن يلحق بالعصر باقي الصلوات : ويكون نبه بالعصر على غيرها ، وإنما خصها بالذكر لأنها تأتي وقت تعب الناس من مقاساة أعمالهم وحرصهم على قضاء أشغالهم وتسويفهم بها إلى انقضاء وظائفهم . وفيما قاله نظر ؛ لأن الشرع ورد في العصر ، ولم تتحقق العلة في هذا الحكم فلا يلحق بها غيرها بالشك والتوهم ، وإنما يلحق غير المنصوص بالمنصوص إذا عرفنا العلة واشتركا فيها . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( قال عمرو يبلغ به وقال أبو بكر رفعه ) هما بمعنى ، لكن عادة مسلم - رحمه الله - المحافظة على اللفظ وإن اتفق معناه وهي عادة جميلة . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية