الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2108 ) مسألة : قال : ( وإن كان عدلا ، صوم الناس بقوله ) المشهور عن أحمد ، أنه يقبل في هلال رمضان قول واحد عدل ، ويلزم الناس الصيام بقوله . وهو قول عمر ، وعلي ، وابن عمر ، وابن المبارك ، والشافعي في الصحيح عنه .

                                                                                                                                            وروي عن أحمد ، أنه قال : اثنين أعجب إلي . قال أبو بكر : إن رآه وحده ، ثم قدم المصر ، صام الناس بقوله ، على ما روي في الحديث ، وإن كان الواحد في جماعة الناس ، فذكر أنه رآه دونهم ، لم يقبل إلا قول اثنين ; لأنهم يعاينون ما عاين . وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه : لا يقبل إلا شهادة اثنين . وهو قول مالك ، والليث ، والأوزاعي ، وإسحاق لما روى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، أنه خطب الناس في اليوم الذي يشك فيه . فقال : إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألتهم ، وإنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، وانسكوا ، فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين ، وإن شهد شاهدان ذوا عدل ، فصوموا وأفطروا . } رواه النسائي . ولأن هذه شهادة على رؤية الهلال ، فأشبهت الشهادة على هلال شوال ، وقال أبو حنيفة في الغيم كقولنا ، وفي الصحو : لا يقبل إلا الاستفاضة ; لأنه لا يجوز أن تنظر الجماعة إلى مطلع الهلال وأبصارهم صحيحة ، والموانع مرتفعة ، فيراه واحد دون الباقين .

                                                                                                                                            ولنا ما روى ابن عباس قال : { جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : رأيت الهلال . قال ، أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ؟ قال : نعم . قال : يا بلال أذن في الناس ، فليصوموا غدا } رواه أبو داود ، والنسائي ، والترمذي . وروى ابن عمر ، قال { تراءى [ ص: 48 ] الناس الهلال ، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته . فصام وأمر الناس بصيامه . } رواه أبو داود .

                                                                                                                                            ولأنه خبر عن وقت الفريضة فيما طريقه المشاهدة ، فقبل من واحد ، كالخبر بدخول وقت الصلاة ، ولأنه خبر ديني يشترك فيه المخبر والمخبر ، فقبل من واحد عدل ، كالرواية ، وخبرهم إنما يدل بمفهومه ، وخبرنا أشهر منه ، وهو يدل بمنطوقه ، فيجب تقديمه ، ويفارق الخبر عن هلال شوال ، فإنه خروج من العبادة ، وهذا دخول فيها ، وحديثهم في هلال شوال يخالف مسألتنا ، وما ذكره أبو بكر ، وأبو حنيفة لا يصح ; لأنه يجوز انفراد الواحد به مع لطافة المرئي وبعده ، ويجوز أن تختلف معرفتهم بالمطلع ومواضع قصدهم وحدة نظرهم ، ولهذا لو حكم برؤيته حاكم بشهادة واحد ; جاز ، ولو شهد شاهدان ; وجب قبول شهادتهما ، ولو كان ممتنعا على ما قالوه لم يصح فيه حكم حاكم ، ولا يثبت بشهادة اثنين ، ومن منع ثبوته بشهادة اثنين ، رد عليه الخبر الأول ، وقياسه على سائر الحقوق وسائر الشهور ، ولو أن جماعة في محفل ، فشهد اثنان منه أنه طلق زوجته ، أو أعتق عبده ; قبلت شهادتهما دون من أنكر ، ولو أن اثنين من أهل الجمعة شهدا على الخطيب أنه قال على المنبر في الخطبة شيئا ، لم يشهد به غيرهما ; لقبلت شهادتهما ، وكذلك لو شهدا عليه بفعل ، وإن كان غيرهما يشاركهما في سلامة السمع وصحة البصر ، كذا هاهنا . ( 2109 )

                                                                                                                                            فصل : وإن أخبره مخبر برؤية الهلال يثق بقوله ; لزمه الصوم . وإن لم يثبت ذلك عند الحاكم ; لأنه خبر بوقت العبادة ، يشترك فيه المخبر والمخبر ، أشبه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخبر عن دخول وقت الصلاة . ذكر ذلك ابن عقيل . ومقتضى هذا أنه يلزمه قبول الخبر ، وإن رده الحاكم ; لأن رد الحاكم يجوز أن يكون لعدم علمه بحال المخبر ، ولا يتعين ذلك في عدم العدالة ، وقد يجهل الحاكم عدالة من يعلم غيره عدالته . ( 2110 )

                                                                                                                                            فصل : فإن كان المخبر امرأة فقياس المذهب قبول قولها . وهو قول أبي حنيفة ، وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي ; لأنه خبر ديني . فأشبه الرواية ، والخبر عن القبلة ، ودخول وقت الصلاة ، ويحتمل أن لا تقبل ; لأنه شهادة برؤية الهلال ، فلم يقبل فيه قول امرأة ، كهلال شوال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية