الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        تفسير سورة العاديات

                                                                                                                                                                                                                                        وهي مكية

                                                                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                        والعاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا فأثرن به نقعا [ ص: 1988 ] فوسطن به جمعا إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور إن ربهم بهم يومئذ لخبير

                                                                                                                                                                                                                                        أقسم الله تبارك وتعالى بالخيل، لما فيها من آياته الباهرة، ونعمه الظاهرة، ما هو معلوم للخلق.

                                                                                                                                                                                                                                        وأقسم تعالى بها في الحال التي لا يشاركها فيه غيرها من أنواع الحيوانات، فقال: والعاديات ضبحا أي: العاديات عدوا بليغا قويا، يصدر عنه الضبح، وهو صوت نفسها في صدرها، عند اشتداد عدوها .

                                                                                                                                                                                                                                        فالموريات بحوافرهن ما يطأن عليه من الأحجار قدحا أي: تنقدح النار من صلابة حوافرهن وقوتهن إذا عدون، فالمغيرات على الأعداء صبحا وهذا أمر أغلبي، أن الغارة تكون صباحا، فأثرن به أي: بعدوهن وغارتهن نقعا أي: غبارا، فوسطن به أي: براكبهن جمعا أي: توسطن به جموع الأعداء، الذين أغار عليهم.

                                                                                                                                                                                                                                        والمقسم عليه، قوله: إن الإنسان لربه لكنود أي: منوع للخير الذي لله عليه. فطبيعة الإنسان وجبلته، أن نفسه لا تسمح بما عليه من الحقوق، فتؤديها كاملة موفرة، بل طبيعتها الكسل والمنع لما عليها من الحقوق المالية والبدنية، إلا من هداه الله وخرج عن هذا الوصف إلى وصف السماح بأداء الحقوق، وإنه على ذلك لشهيد أي: إن الإنسان على ما يعرف من نفسه من المنع والكند لشاهد بذلك، لا يجحده ولا ينكره، لأن ذلك أمر بين واضح. ويحتمل أن الضمير عائد إلى الله تعالى أي: إن العبد لربه لكنود، والله شهيد على ذلك، ففيه الوعيد، والتهديد الشديد، لمن هو لربه كنود، بأن الله عليه شهيد.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 1989 ] وإنه أي: الإنسان لحب الخير أي: المال لشديد أي: كثير الحب للمال. وحبه لذلك، هو الذي أوجب له ترك الحقوق الواجبة عليه، قدم شهوة نفسه على رضا ربه، وكل هذا لأنه قصر نظره على هذه الدار، وغفل عن الآخرة، ولهذا قال حاثا له على خوف يوم الوعيد:

                                                                                                                                                                                                                                        أفلا يعلم أي: هلا يعلم هذا المغتر إذا بعثر ما في القبور أي: أخرج الله الأموات من قبورهم، لحشرهم ونشورهم.

                                                                                                                                                                                                                                        وحصل ما في الصدور أي: ظهر وبان ما فيها و ما استتر في الصدور من كمائن الخير والشر، فصار السر علانية، والباطن ظاهرا، وبان على وجوه الخلق نتيجة أعمالهم.

                                                                                                                                                                                                                                        إن ربهم بهم يومئذ لخبير أي مطلع على أعمالهم الظاهرة والباطنة، الخفية والجلية، ومجازيهم عليها. وخص خبرهم بذلك اليوم، مع أنه خبير بهم في كل وقت، لأن المراد بهذا الجزاء على الأعمال الناشئ عن علم الله واطلاعه.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية