الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                النظر الثالث : في الاستلحاق ، وأصله : قوله تعالى : ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ) وفيه فروع .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا باعه ثم استلحقه بعد طول الزمان لحق ورد الثمن ، ولد عنده أو لا ، إلا أن يتبين كذبه ، قال التونسي : وكذلك كل من ادعى أنه ولده ولا ينسب له ، ولا هو عبد غيره ، ولا هو مجلوب ، ويعلم عدم دخوله تلك البلاد ، قاله ابن القاسم ، وقال أشهب : يصدق في عبد الغير إذا لم يبن كذبه ، ويكون ابنا له وعبدا للآخر ، فإذا أعتقه سيده فمات ورث بالبنوة قبل الولاء ، قال سحنون : إذا ادعى من لا يلحق به لا يعتق عليه إذا اشتراه ; لأنه تبين كذبه ، وقال [ ص: 347 ] ابن القاسم : يعتق مؤاخذة له بإقراره ، قال ابن يونس : الأحوال ثلاث : حال يولد عنده أو بعد بيعها لمثل ما يلحق فيه النسب ولم يطأها المبتاع ولا زوج ، ولا تبين كذبه فهذا متفق عليه ، وحال لم يولد عنده ولا علم ملكه لأمة ولا زواجه لها ولا تبين كذبه فيلحق عند ابن القاسم دون سحنون ، وحال يستلحق في ملكه غيره أو بعد عتق غيره فلا يلحق عند ابن القاسم إن أكذبه الحائز لرقه أو لولائه ، ويلحق عند أشهب به ، ويكون ولدا له ومولى للذي أعتقه عبدا لمن ملكه ، فإن أعتقه ورث أباه وورثه ، قال سحنون : وما علمت خلافا بين الناس أن الإقرار بولد الولد أو الجد أو الأخ أو غيرهم من القرابات لا يثبت مع وارث معروف أو مع غير وارث ، وإنما يثبت الإقرار بولد الصلب خاصة ، ولا يثبت وإن ورثه ، إذا لم يكن له وارث معروف فيرث من غير ثبوت نسب ، وعنه : لا يرث وإن لم يكن له وارث معروف ; لأن المسلمين يرثونه ، قال أصبغ : وإن أقر أن هذا وارثه وله وارث معروف فلم يمت المقر حتى مات الوارث ورثه المقر له ، وكأنه أقر ولا وارث له ، واختلف إذا أقر بعد بيعه هل يرجع المشتري بنفقة الولد ؟ قاله أبو بكر بن عبد الرحمن ، كمن طرح ولده فأنفق عليه رجل ، وقيل : لا يرجع كالعبد يستحق بالحرية فلا يغرم أجر خدمته ، وخدمته بنفقته فإن كان صغيرا لا خدمة له فلا نفقة ; لأنه ممن تكون له الخدمة في المستقبل ، وقيل : إن كان فيه خدمة وأقر المبتاع أنه خدمة فلا نفقة ، وإن كان صغيرا فله النفقة لعدم المقابل ، قال : وهو أعدل الأقوال ، وروي عن سحنون .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إن استلحق من لا يعرف له نسب لحقه إن لم يعلم أنه ملك أمة [ ص: 348 ] بشراء أو نكاح ، وكذلك إن استلحق عبده أو أمته إلا أن يتبين كذبه أو يكون له أب معروف أو هو محمول من بلد يعلم أنه لم يدخلها أو تشهد بينة بأن أمه لم تزل زوجة لغير المقر حتى ماتت ، فإن قالوا : لم تزل أمة فلا أدري ما هذا ، فلعله تزوجها ، أو تلد بعد شرائه بأيام فلا يلحق به ولا يحد ; لأنه لم يعترف بالزنا بل كذب في النسب ، وإن كانت له زوجة ثم ابتاعها حاملا فتصح دعواه ، وإن قصرت هذه المدة : مدة الشراء ، في التنبيهات : اختلفت الرواية في المحمول من بلاد فرواية علم عدم الدخول ، ورواية لم يعلم أنه دخلها ، فعلى هذه لا يصدق منع الشك كالعالم ، وقيل في الأمة والزوجة لم تزل للغير ولا فرق ، إذا لم يكن نسب معروف ، قال بعض الشيوخ : يؤخذ من مسألة المحمول : أن المحمولين يصح لهم الاستلحاق ويصدقون ويكلفون البينة إذا ادعوا غير ذلك من القرابة ، ومنع القاضي عبد الوهاب ، وابن القصار : قبول قول الحملاء في الولد وغيره ، قال : وهو ظاهر المدونة ، وإذا عتقوا وادعى بعضهم قرابة بعض فقيل : لا يصدقون في غير الولد ، وقيل بعدم الفرق ، وأفتى القاضي ابن سهل بإلزام النفقة للأب أو الابن وإن لم يتوارثا مؤاخذة بالإقرار ، وترد شهادة بعضهم لبعض .

                                                                                                                وفي الواضحة : إن اشترى أباه وهو مولود في الشرك لم يعتق وإن استحب ، وهو يعارض ما تقدم ، قال التونسي : لم يعمل ابن القاسم قول مدعي اللقيط إلا أن يكون لدعواه وجه كمن لا يعيش له ولد فسمع قول الناس : إذا طرح عاش ونحوه ، ويلزمه أن يقبل قوله ; لأنه ليس له نسب معروف ، ولم يتبين كذبه ، وإذا ادعى النصراني اللقيط في بلد الإسلام صدق إذا كان له وجه كما تقدم ، ويكون على دينه . قال اللخمي : إذا قال : ملكت أمه قبل هذا الملك وشهد شاهدان أنها حينئذ كانت ملك غيره لم يصدق ولا يعتق عليه ، قاله [ ص: 349 ] سحنون قال : وأرى أن يعتق وتكون أم ولد ; لأن الشهادة لا يقطع بصدقها ، وهو مكذب لبينته ولم يعلم هل ملكها أم لا صدق عند ابن القاسم ، ولم يصدق على قول سحنون ; لأنها لم تثبت أنها فراشه ، وإن كذبه سيدها لم يصدق ، وأصل مالك : تصديقه في كل موطن يشكل أمره ، والحرة والأمة في ذلك سواء إذا لم يكن له نسب معروف .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا ولد عبدك فأعتقته فاستلحقته بعد طول الزمان لحقك وإن أكذبك ، وإن استلحقت صبيا في ملك غيرك أو بعد أن أعتقه غيرك فأكذبك الحائز لرقه أو لولائه لم تصدق إلا ببينة لقوة خصمك بالحوز ، وكذلك ابن أمة لرجل ادعيت نكاحها وأكذبك السيد إلا أن تشتريه فيلحق بك كمن رددت شهادته بعتق ، ثم ابتاعه ، وإن اشتريت الأم لم تكن به أم ولد ; لأنك أولدتها في ملك غيرك ، وإن أعتق السيد الولد قبل أن يبتاعه مستلحقه لم يثبت نسبه ولا موارثته إلا ببينة لثبوت الولد للسيد ، فإن باع أمة فعتقت لم يصدق البائع أنه أولدها إلا ببينة ، قال في النكت : قال بعض القرويين : إذا لم يقبل قوله في ولد الأمة المبيعة حاملا ولم يرد ، رد الولد بما ينوبه بأن يقوم العبد على هيئته الآن ثم تقوم الأم بلا ولد ، فيرد من الثمن حصة الولد ، قال ابن يونس : قال أشهب : إذا أعتقه السيد قبل الاستلحاق لحق بالمستلحق وولده للسيد ، ومتى عتق ورث أباه ، وورثه أبوه ، وإذا لم يقبل قوله في المبيعة بعد عتقها قبل في الولد ويلحق به الولد ، ويرد الثمن لإقراره أنه ثمن أم ولد ولو أعتق الولد خاصة لثبت الولاء لمعتقه ، ولحق الولد بمستلحقه وورثه وأخذ الأم [ ص: 350 ] إن لم يتهم فيها بزناه بها ورد الثمن ، وإن اتهم لم ترد له ، وقال أبو محمد وغيره : لا يرد الثمن إذا اتهم هذا إذا كان الولد يوم البيع حملا لازما ; لأن البائع لم يأخذ له حصة فيردها ، والمشتري قد أعتقه فلا حجة له ، ولو لم يعتقه لكان له حجة ، ولو كان مولودا بيع معها لرد حصته من الثمن ، ولا حجة على المبتاع في عتق الولد كعتق الأم ، ويرد البائع الثمن ; لأنها أم ولد ، وإن ادعاه بعد عتق المبتاع الأم مضى العتق ولحق به الولد ، وبقي الولاء للمعتق ، ويرد الثمن لمن استلحقه بعد موتهما ، وعن ابن القاسم : إن باع من ولد عبده فأعتقه المبتاع ثم استلحقه البائع صدق إن لم يتبين ، قال سحنون : وهذه المسألة أعدل في هذا الأصل ، وعن أشهب : إن باعها وولدها وقد ولدت عنده أو عند المبتاع لما تلد له النساء ، ولم يطأها المبتاع ولا زوج أو باع الولد دونها فاستلحق الولد وهو وأمه عند المبتاع أو أحدهما وقد أحدث في أحدهما عتقا أو كتابة أو تدبيرا أو لم يحدث انتقض ذلك وردا أو أحدهما للبائع ، ويرد الثمن فإن كان عديما فقيل : يتبع بالولد دينا ، وقال مالك : يرد إليه الولد خاصة بحصته من الثمن لثبوت نسبه ، ولا ترد الأم لتهمته في ردها للمتعة بغير ثمن ، وقال سحنون : إن استلحقه بعد أن مات ، وصدقه المشتري وقد أعتق الأم أو دبر أو كاتب أو أولد فلا ترد إليه ، وإن لم يحدث ذلك ردها وأخذ الثمن ، وإن كذبه لم يرجع بشيء ، واستحسن إن صدقه وقد اعتل الرجوع بالثمن ، وتبقى على حالها ، وفي الكتابة تسأل هي فإن أقرت به انتقضت الكتابة وعادت أم ولد ورد الثمن ، وإلا أدت الكتابة وعتقت ; لأن الحق لها في الكتابة ، ويرجع المبتاع بالثمن وما أدت من الكتابة وإن استلحق ولد أمة عبده لحقه إن ولدته في ملك عبده لم [ ص: 351 ] ينسبه العبد لنفسه وتكون أم ولد له ، وإن ولدته في ملك غير العبد لحقه أيضا ، والأمة ملك للعبد إن تركها له السيد ، وكذلك أمة مدبره ، ومعنى : ولدته في غير ملك العبد : أن العبد اشتراها وولدها فادعى السيد أنه كان تزوجها عند البائع من العبد ، وأما أمة مكاتبه : فإن لم يدعه لحق بالسيد ، وأدى قيمة أمة للمكاتب وكانت به أم ولد ، وإن ولدته في غير ملك المكاتب : انتظر المكاتب إن عجز لحق الولد بالسيد ولا تكون أم ولد ، وإن أعتق المكاتب صدق سيده ولحق عند ابن القاسم ، وإن استلحق ولد أمة ولده لحقه إن لم يدعه الولد ، ويغرم قيمة الأم في ملائه وعدمه ، وهي له أم ولد ، وإن ولدته في غير ملك الولد فأمه أمة الولد وعتق الولد على أخيه ، وأما أمة والده فهي كأمة الأجنبي ، وإن استلحقه بما يجوز ، وصدقه الأب على عتق ألحق ، ولا تكون له أم ولد ، وإن لم تصدقه لم يلحق به إلا أن يملكه يوما ما ، وإن استلحقه بما لا يجوز به الاستلحاق لم يلحق ، وحد إن ثبت على قوله ، فإن استلحق الجد ولد أمة ابنه فقيل : كالأب في الحرمة ودرء الحد ، وقيل ذلك في الأب وحده ، وإن بيعت أمة فشهدت بينة أن البائع كان أقر قبل البيع بإيلادها ردت إليه مع قيمة ولد إن حدث عند المبتاع ، فإن ماتت رجع بالثمن على البائع ، وأدى إليه قيمة الولد ، ويتقاصان فإن مات البائع قبل موتها عتقت من يوم موته ، فإن أصابها المبتاع بعد ذلك لزمه صداق المثل عند المغيرة دون ابن القاسم ، ويرجع بالثمن في مال الميت وإن كان المشتري عبدا مأذونا ردت أم ولد ، ورد معها [ ص: 352 ] ولد العبد فيكون بمنزلتها ، ولا يوطأ شيء من بناتها بملك اليمين ; لأنهن معتقات إلى أجل قاله سحنون ، قال : انظر قوله : لا يوطأن بملك اليمين لأنهن يملكهن غير سيد أمهن ، وليس كذلك ، وهو لا يطؤهن لأنهن كالربائب المدخول بأمهاتهن .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال سحنون : إن قال في ثلاثة من أمته : أحدهم ولدي ومات : عتق الصغير جزما ; لأن المستلحق إن كان الكبير عتق الأوسط والصغير أو الأوسط فالصغير حر ، أو الصغير فالكبير والأوسط عبدان ، وعن المغيرة : يعتق الصغير وثلثا الأوسط وثلث الأكبر ; لأنه إن كان الأكبر فالجميع أحرار ، أو الأوسط فهو والصغير حران ، أو الصغير عتق وحده فيعتق الأوسط في حالين ، والأكبر في حاله . وقال ابن الحكم : يعتقون كلهم بالشك ، وإن أقر بإحدى بناتها عند الموت ونسيت البينة والوارثة اسمها : قال سحنون : إن أقر الورثة بذلك عتقن وأخذن ميراث واحدة يقسم بينهن ، ولا يلحقه نسب واحدة منهن .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا بيعت مع ولدها أو وحدها فولدت عنده لا يلحق فيه النسب ، ولم يدعه وادعاه البائع لحقه ورد الثمن إن لم يتهم ، قال ابن يونس : قال محمد : لا تهمة في هذا إن كان مليا والولد معها ، قال ابن القاسم : قد يتهم [ ص: 353 ] بمحبتها فيرد الولد وحده بحصته ، وترد هي بشرط سلامته من العدم والمحبة فيها ، وعن مالك : يصدق فيها وإن أعدم ; لأنه لا تهمة في الإقرار بالنسب ، وهذا لم يعرف مسيسه إياها إلا بقوله اليوم ، أما إن أقر به قبل البيع فيصدق في عدمه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إن ادعى الملتقط اللقيط لم يصدق إلا أن يكون لدعواه وجه بأن يعرف بأن لا يعيش له ولد ، وزعم أنه رماه لقول الناس : إن طرح عاش . وقال غيره : لا تصدق فيه دعوى أحد إلا ببينة لتعلق حق المسلمين بميراثه فإن صدقه اللقيط قال ابن القاسم : أراه شاهدا ، ولا يجوز مع اليمين في النسب ، قال ابن القاسم : ولا يقبل فيه غير الملتقط إلا كما تقدم ، وقال أشهب : تقبل دعواه كان الملتقط أو غيره ، إلا أن يتبين كذبه كغير اللقيط ، قال ابن يونس : خالف ابن القاسم وأشهب أصليهما في الاستلحاق لقول ابن القاسم : إن استلحق من لم يولد عنده ، ولا علم ملكه لأمه ، ولا زواجه لها ، ولا تبين كذبه لحق به ، فيلزمه تصديق الملتقط ، ولقول أشهب : لا يلحقه حتى يكون أصل الحمل عنده أو بعد خروج أمة من عنده ، لمثل ما يلحق به النسب ، ويحتمل أن يكون هذا من ابن القاسم على قوله الذي يوافق فيه أشهب في الاستلحاق ، أو الفرق بأن ولاء اللقيط للمسلمين فهو كالنسب المجوز ، وأما أشهب : فيحتمل أن يكون هذا منه على قوله : إن استلحق من أعتقه غيره أو هو في ملكه لحقه إلا أن ولاء المعتق لسيده ، ومتى عتق ورث أباه ، قال ابن القاسم : لا تصدق المرأة في اللقيط وإن جاءت بما يشبه من العذر ; لأنها تلحق بالغير ، وقال أشهب : تصدق وإن قالت من زنا حتى يعلم كذبها كالرجل ، قال محمد : إن ادعته من زنا [ ص: 354 ] صدقت وحدت أو من زوج فلا إلا أن يقربه الزوج فيلحق به ، قال محمد : وأحسن ما بلغني إن كان لها زوج حاضر لحق به إلا أن ينفيه بلعان ، وإن قدما من بلد لم يقبل قولها إلا أن يقر به الزوج فيلحق به .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إن التقطه مسلم وادعاه نصراني وشهد له مسلمون صدق وهو على دينه ، إلا أن يسلم قبل ذلك ويعقل الإسلام ، قال ابن يونس : قال محمد : إن التقطه عبد ونصراني وعليه زي النصارى فهو حر مسلم تغليبا لشرف الإسلام ، إلا أن يلتقطه في قرى الشرك فهو مشرك تغليبا للدار ، وفي كتاب تضمين الصناع : إن التقطه النصراني في قرى الإسلام فهو مسلم أو في قرى الشرك فهو مشرك أو في قرية ليس فيها إلا ثلاثة أو اثنان مسلمون والملتقط نصراني ، فهو نصراني ، أو مسلم فهو مسلم ، وقال أشهب : بل هو مسلم مطلقا ، وإن التقطه مسلم في قرى الشرك فكذلك .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية