الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حسب ]

                                                          حسب : في أسماء الله تعالى الحسيب : هو الكافي ، فعيل بمعنى مفعل ، من أحسبني الشيء إذا كفاني . والحسب : الكرم . والحسب : الشرف الثابت في الآباء ، وقيل : هو الشرف في الفعل ، عن ابن الأعرابي . والحسب : ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه . والحسب : الفعال الصالح ، حكاه ثعلب . وما له حسب ولا نسب ، الحسب : الفعال الصالح ، والنسب : الأصل ; والفعل من كل ذلك : حسب ، بالضم ، حسبا وحسابة ، مثل خطب خطابة ، فهو حسيب ; أنشد ثعلب :


                                                          ورب حسيب الأصل غير حسيب



                                                          أي له آباء يفعلون الخير ولا يفعله هو ; والجمع حسباء . ورجل كريم الحسب ، وقوم حسباء . وفي الحديث : الحسب : المال ، والكرم : التقوى . يقول : الذي يقوم مقام الشرف والسراوة ؛ إنما هو المال . والحسب : الدين . والحسب : البال ، عن كراع ، ولا فعل لهما . قال ابن السكيت : والحسب والكرم يكونان في الرجل ، وإن لم يكن له آباء لهم شرف . قال : والشرف والمجد لا يكونان إلا بالآباء فجعل المال بمنزلة شرف النفس أو الآباء ، والمعنى أن الفقير ذا الحسب لا يوقر ، ولا يحتفل به ، والغني الذي لا حسب له ، يوقر ويجل في العيون . وفي الحديث : حسب الرجل خلقه ، وكرمه دينه . والحديث الآخر : حسب الرجل نقاء ثوبيه ; أي إنه يوقر لذلك ، حيث هو دليل الثروة والجدة . وفي الحديث : تنكح المرأة لمالها وحسبها وميسمها ودينها ، فعليك بذات الدين ، تربت يداك ; قال ابن الأثير : قيل الحسب هاهنا : الفعال الحسن . قال الأزهري : والفقهاء يحتاجون إلى معرفة الحسب ؛ لأنه مما يعتبر به مهر مثل المرأة ، إذا عقد النكاح على مهر فاسد ، قال : وقال شمر في كتابه المؤلف في غريب الحديث : الحسب الفعال الحسن له ولآبائه ، مأخوذ من الحساب إذا حسبوا مناقبهم ; وقال المتلمس :


                                                          ومن كان ذا نسب كريم ، ولم يكن     له حسب ، كان اللئيم المذمما



                                                          ففرق بين الحسب والنسب ، فجعل النسب عدد الآباء والأمهات ، إلى حيث انتهى . والحسب : الفعال ، مثل الشجاعة والجود ، وحسن الخلق والوفاء . قال الأزهري : وهذا الذي قاله شمر صحيح ؛ وإنما سميت مساعي الرجل ومآثر آبائه حسبا ، لأنهم كانوا إذا تفاخروا عد المفاخر منهم مناقبه ومآثر آبائه وحسبها ; فالحسب : العد والإحصاء ; والحسب ما عد ; وكذلك العد ، مصدر عد يعد ، والمعدود عدد . وفي حديث عمر ، رضي الله عنه ، أنه قال : حسب المرء دينه ، ومروءته خلقه ، وأصله عقله . وفي الحديث : أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : ( كرم المرء دينه ، ومروءته عقله ، وحسبه خلقه ) ورجل شريف ورجل ماجد : له آباء متقدمون في الشرف ; ورجل حسيب ، ورجل كريم بنفسه . قال الأزهري : أراد أن الحسب يحصل للرجل بكرم أخلاقه ، وإن لم يكن له نسب ، وإذا كان حسيب الآباء ، فهو أكرم له . وفي حديث وفد هوازن : قال لهم : اختاروا إحدى الطائفتين : إما المال ، وإما السبي . فقالوا : أما إذ خيرتنا بين المال والحسب ؛ فإنا نختار الحسب ، فاختاروا أبناءهم ونساءهم ; أرادوا أن فكاك الأسرى وإيثاره على استرجاع المال حسب وفعال حسن ، فهو بالاختيار أجدر ; وقيل : المراد بالحسب هاهنا عدد ذوي القرابات ، مأخوذ من الحساب ، وذلك أنهم إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثرهم ، فالحسب العد والمعدود ، والحسب والحسب قدر الشيء ، كقولك : الأجر بحسب ما عملت . وحسبه أي قدره ; وكقولك : على حسب ما أسديت إلي شكري لك ، تقول أشكرك على حسب بلائك عندي أي على قدر ذلك . وحسب مجزوم : بمعنى كفى ، قال سيبويه : وأما حسب ؛ فمعناها الاكتفاء . وحسبك درهم أي كفاك ، وهو اسم ، وتقول : حسبك ذلك أي كفاك ذلك ; وأنشد ابن السكيت :


                                                          ولم يكن ملك للقوم ينزلهم     إلا صلاصل لا تلوى على حسب



                                                          وقوله : لا تلوى على حسب ، أي يقسم بينهم بالسوية لا يؤثر به أحد ، وقيل : لا تلوى على حسب أي لا تلوى على الكفاية ، لعوز الماء وقلته . ويقال : أحسبني ما أعطاني أي كفاني . ومررت برجل حسبك من رجل أي كافيك ، لا يثنى ولا يجمع لأنه موضوع موضع المصدر ; وقالوا : هذا عربي حسبة ، انتصب لأنه حال وقع فيه الأمر ، كما انتصب دنيا ، في قولك : هو ابن عمي دنيا ، كأنك قلت : هذا عربي اكتفاء ، وإن لم يتكلم بذلك ; وتقول : هذا رجل حسبك من رجل ، وهو مدح للنكرة ، لأن فيه تأويل فعل ، كأنه قال : محسب لك أي كاف لك من غيره ، يستوي فيه الواحد والجمع والتثنية ، لأنه مصدر ، وتقول في المعرفة : هذا عبد الله حسبك من رجل ، فتنصب حسبك على الحال ، وإن أردت الفعل في " حسبك " قلت : مررت برجل أحسبك من رجل ، وبرجلين أحسباك ، وبرجال أحسبوك ، ولك أن تتكلم بحسب مفردة ، تقول رأيت زيدا حسب يا فتى ، كأنك قلت : حسبي أو حسبك ، فأضمرت هذا فلذلك لم تنون ، لأنك أردت الإضافة ، كما تقول : جاءني زيد ليس غير ، تريد ليس غيره عندي . وأحسبني الشيء : كفاني ; قالت امرأة من بني قشير :


                                                          ونقفي وليد الحي ، إن كان جائعا     ونحسبه ، إن كان ليس بجائع



                                                          أي نعطيه حتى يقول حسبي . وقولها : نقفيه أي نؤثره بالقفية ، ويقال لها القفاوة أيضا ، وهي ما يؤثر به الضيف والصبي . وتقول : أعطى فأحسب أي أكثر حتى قال حسبي . أبو زيد : أحسبت الرجل : أعطيته ما يرضى ; وقال غيره : حتى قال حسبي ; وقال ثعلب : أحسبه من كل شيء : أعطاه حسبه ، وما كفاه . وقال الفراء في قوله تعالى : ياأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين جاء التفسير يكفيك الله ، ويكفي من اتبعك ; قال : وموضع الكاف في حسبك وموضع ( من ) نصب على التفسير كما قال الشاعر :


                                                          إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا [ ص: 113 ]     فحسبك والضحاك سيف مهند



                                                          قال أبو العباس : معنى الآية يكفيك الله ويكفي من اتبعك ; وقيل في قوله : ومن اتبعك من المؤمنين قولان : أحدهما حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين كفاية إذا نصرهم الله ، والثاني حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين ، أي يكفيكم الله جميعا . وقال أبو إسحاق في قوله ، عز وجل : وكفى بالله حسيبا : يكون بمعنى محاسبا ، ويكون بمعنى كافيا ; وقال في قوله تعالى : إن الله كان على كل شيء حسيبا أي يعطي كل شيء من العلم والحفظ والجزاء مقدار ما يحسبه أي يكفيه . تقول : حسبك هذا أي اكتف بهذا . وفي حديث عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنهما ، قال له النبي ، صلى الله عليه وسلم : يحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام أي يكفيك ; قال ابن الأثير : ولو روي بحسبك أن تصوم أي كفايتك أو كافيك ، كقولهم بحسبك قول السوء ، والباء زائدة ، لكان وجها . والإحساب : الإكفاء . قال الراعي :


                                                          خراخر ، تحسب الصقعي ، حتى     يظل يقره الراعي سجالا



                                                          وإبل محسبة : لها لحم وشحم كثير ; وأنشد :


                                                          ومحسبة قد أخطأ الحق غيرها     تنفس عنها حينها فهي كالشوي



                                                          يقول : حسبها من هذا وقوله : قد أخطأ الحق غيرها ، يقول : قد أخطأ الحق غيرها من نظرائها ، ومعناه أنه لا يوجب للضيوف ولا يقوم بحقوقهم إلا نحن . وقوله : تنفس عنها حينها فهي كالشوي ، كأنه نقض للأول ، وليس بنقض ، إنما يريد : تنفس عنها حينها قبل الضيف ، ثم نحرناها بعد للضيف ، والشوي هنا : المشوي . قال : وعندي أن الكاف زائدة ، وإنما أراد فهي شوي أي فريق مشوي أو منشو ، وأراد : وطبيخ ، فاجتزأ بالشوي من الطبيخ . قال أحمد بن يحيى : سألت ابن الأعرابي عن قول عروة بن الورد :


                                                          ومحسبة ما أخطأ الحق غيرها



                                                          البيت ، فقال : المحسبة بمعنيين : من الحسب وهو الشرف ، ومن الإحساب وهو الكفاية ، أي إنها تحسب بلبنها أهلها والضيف ، و ( ما ) صلة ، المعنى : أنها نحرت هي وسلم غيرها . وقال بعضهم : لأحسبنكم من الأسودين : يعني التمر والماء ; أي لأوسعن عليكم . وأحسب الرجل وحسبه : أطعمه وسقاه حتى يشبع ويروى من هذا ، وقيل : أعطاه ما يرضيه . والحساب : الكثير . وفي التنزيل : عطاء حسابا أي كثيرا كافيا ; وكل من أرضي فقد أحسب . وشيء حساب أي كاف . ويقال : أتاني حساب من الناس أي جماعة كثيرة ، وهي لغة هذيل . وقال ساعدة بن جؤية الهذلي :


                                                          فلم ينتبه ، حتى أحاط بظهره     حساب وسرب ، كالجراد يسوم



                                                          والحساب والحسابة : عدك الشيء . وحسب الشيء يحسبه ، بالضم ، حسبا وحسابا وحسابة : عده . أنشد ابن الأعرابي لمنظور بن مرثد الأسدي :


                                                          يا جمل أسقيت بلا حسابه


                                                          سقيا مليك حسن الربابه


                                                          قتلتني بالدل والخلابه



                                                          أي أسقيت بلا حساب ولا هنداز ، ويجوز في حسن الرفع والنصب والجر ، وأورد الجوهري هذا الرجز : يا جمل أسقاك ، وصواب إنشاده : يا جمل أسقيت ، وكذلك هو في رجزه . والربابة ، بالكسر : القيام على الشيء بإصلاحه وتربيته ; ومنه ما يقال : رب فلان النعمة يربها ربا وربابة . وحسبه أيضا حسبة : مثل القعدة والركبة . قال النابغة :


                                                          فكملت مائة فيها حمامتها     وأسرعت حسبة في ذلك العدد



                                                          وحسبانا : عده . وحسبانك على الله أي حسابك . قال :


                                                          على الله حسباني إذا النفس أشرفت     على طمع ، أو خاف شيئا ضميرها



                                                          وفي التهذيب : حسبت الشيء أحسبه حسابا وحسبت الشيء أحسبه حسبانا وحسبانا . وقوله تعالى : والله سريع الحساب أي حسابه واقع لا محالة ، وكل واقع فهو سريع ، وسرعة حساب الله ، أنه لا يشغله حساب واحد عن محاسبة الآخر ; لأنه سبحانه لا يشغله سمع عن سمع ، ولا شأن عن شأن . وقوله ، جل وعز : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا أي كفى بك لنفسك محاسبا . والحسبان : الحساب . وفي الحديث : أفضل العمل منح الرغاب ، لا يعلم حسبان أجره إلا الله . الحسبان ، بالضم : الحساب . وفي التنزيل : الشمس والقمر بحسبان معناه بحساب ومنازل لا يعدوانها . وقال الزجاج : بحسبان يدل على عدد الشهور والسنين وجميع الأوقات . وقال الأخفش في قوله تعالى : والشمس والقمر حسبانا : معناه بحساب ، فحذف الباء . وقال أبو العباس : حسبانا مصدر ، كما تقول : حسبته أحسبه حسبانا وحسبانا ; وجعله الأخفش جمع حساب ; وقال أبو الهيثم : الحسبان جمع حساب ، وكذلك أحسبة ، مثل شهاب وأشهبة وشهبان . وقوله تعالى : يرزق من يشاء بغير حساب أي بغير تقتير وتضييق ، كقولك : فلان ينفق بغير حساب ; أي يوسع النفقة ، ولا يحسبها ; وقد اختلف في تفسيره ، فقال بعضهم : بغير تقدير على أحد بالنقصان ، وقال بعضهم : بغير محاسبة أي لا يخاف أن يحاسبه أحد عليه ; وقيل : بغير أن حسب المعطى أنه يعطيه ، أعطاه من حيث لم يحتسب . قال الأزهري : وأما قوله ، عز وجل : ويرزقه من حيث لا يحتسب فجائز أن يكون معناه من حيث لا يقدره ولا يظنه كائنا ، من حسبت أحسب ، أي ظننت ، وجائز أن يكون مأخوذا من حسبت أحسب ، أراد من حيث لم يحسبه لنفسه رزقا ولا عده في حسابه . قال الأزهري : وإنما سمي الحساب في المعاملات حسابا ؛ لأنه يعلم به ما فيه كفاية ليس فيه زيادة على المقدار ولا نقصان . وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          إذا نديت أقرابه لا يحاسب



                                                          يقول : لا يقتر عليك الجري ، ولكنه يأتي بجري كثير . والمعدود [ ص: 114 ] محسوب وحسب أيضا ، وهو فعل بمعنى مفعول ، مثل نفض بمعنى منفوض ; ومنه قولهم : ليكن عملك بحسب ذلك ، أي على قدره وعدده . وقال الكسائي : ما أدري ما حسب حديثك ، أي ما قدره ، وربما سكن في ضرورة الشعر . وحاسبه : من المحاسبة . ورجل حاسب من قوم حسب وحساب . والحسبة : مصدر احتسابك الأجر على الله ، تقول : فعلته حسبة ، واحتسب فيه احتسابا ; والاحتساب : طلب الأجر والاسم : الحسبة ، بالكسر ، وهو الأجر . واحتسب فلان ابنا له أو ابنة له إذا مات وهو كبير ، وافترط فرطا إذا مات له ولد صغير ، لم يبلغ الحلم ; وفي الحديث : ( من مات له ولد فاحتسبه ) أي احتسب الأجر بصبره على مصيبته به معناه : اعتد مصيبته به في جملة بلايا الله ، التي يثاب على الصبر عليها ، واحتسب بكذا أجرا عند الله ، والجمع الحسب . وفي الحديث : ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا ) أي طلبا لوجه الله ، تعالى وثوابه . والاحتساب من الحسب : كالاعتداد من العد ; وإنما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله : احتسبه ، لأن له حينئذ أن يعتد عمله ، فجعل في حال مباشرة الفعل ؛ كأنه معتد به . والحسبة : اسم من الاحتساب كالعدة من الاعتداد . والاحتساب في الأعمال الصالحات وعند المكروهات : هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر ، أو باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها ، طلبا للثواب المرجو منها . وفي حديث عمر : أيها الناس ، احتسبوا أعمالكم ، فإن من احتسب عمله ، كتب له أجر عمله وأجر حسبته . وحسب الشيء كائنا يحسبه ويحسبه ، والكسر أجود اللغتين ، حسبانا ومحسبة ومحسبة : ظنه ; ومحسبة : مصدر نادر ، وإنما هو نادر عندي على من قال يحسب ففتح ، وأما على من قال يحسب فكسر فليس بنادر . وفي الصحاح : ويقال : أحسبه ، بالكسر ، وهو شاذ لأن كل فعل كان ماضيه مكسورا ؛ فإن مستقبله يأتي مفتوح العين ، نحو علم يعلم ، إلا أربعة أحرف جاءت نوادر : حسب يحسب ، ويبس ييبس ، ويئس ييئس ، ونعم ينعم ، فإنها جاءت من السالم ، بالكسر والفتح . ومن المعتل ما جاء ماضيه ومستقبله جميعا بالكسر : ومق يمق ، ووفق يفق ، ووثق يثق ، وورع يرع ، وورم يرم ، وورث يرث ، ووري الزند يري ، وولي يلي . وقرئ قوله تعالى : ( لا تحسبن ) ولا تحسبن . وقوله : أم حسبت أن أصحاب الكهف الخطاب للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، والمراد الأمة . وروى الأزهري عن جابر بن عبد الله : أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قرأ : يحسب أن ماله أخلده . معنى أخلده أي يخلده ومثله : ونادى أصحاب النار أي ينادي ; وقال الحطيئة :


                                                          شهد الحطيئة ، حين يلقى ، ربه     أن الوليد أحق بالعذر



                                                          يريد : يشهد حين يلقى ربه . وقولهم : حسيبك الله أي انتقم الله منك . والحسبان ، بالضم : العذاب والبلاء . وفي حديث يحيى بن يعمر : كان إذا هبت الريح ، يقول : لا تجعلها حسبانا ; أي عذابا . وقوله تعالى : جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء يعني نارا . والحسبان أيضا : الجراد والعجاج . قال أبو زياد : الحسبان شر وبلاء ، والحسبان : سهام صغار يرمى بها عن القسي الفارسية ، واحدتها حسبانة . قال ابن دريد : هو مولد . وقال ابن شميل : الحسبان سهام يرمي بها الرجل في جوف قصبة ، ينزع في القوس ثم يرمي بعشرين منها فلا تمر بشيء إلا عقرته ، من صاحب سلاح وغيره ، فإذا نزع في القصبة خرجت الحسبان ، كأنها غبية مطر ، فتفرقت في الناس ; واحدتها حسبانة . وقال ثعلب : الحسبان : المرامي ، واحدتها حسبانة ، والمرامي : مثل المسال دقيقة ، فيها شيء من طول لا حروف لها . قال : والقدح بالحديدة مرماة ، وبالمرامي فسر قوله تعالى : جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء . والحسبانة : الصاعقة . والحسبانة : السحابة . وقال الزجاج : ويرسل عليها حسبانا قال : الحسبان في اللغة الحساب . قال تعالى : الشمس والقمر بحسبان أي بحساب . قال : فالمعنى في هذه الآية أن يرسل عليها عذاب حسبان ، وذلك الحسبان حساب ما كسبت يداك . قال الأزهري : والذي قاله الزجاج في تفسير هذه الآية بعيد ، والقول ما تقدم ; والمعنى ، والله أعلم : أن الله يرسل على جنة الكافر ، مرامي من عذاب النار ، إما بردا وإما حجارة ، أو غيرهما مما شاء ، فيهلكها ويبطل غلتها وأصلها . والحسبانة : الوسادة الصغيرة ، تقول منه : حسبته إذا وسدته . قال نهيك الفزاري ، يخاطب عامر بن الطفيل :


                                                          لتقيت ، بالوجعاء ، طعنة مرهف     مران أو لثويت غير محسب



                                                          الوجعاء : الاست . يقول : لو طعنتك لوليتني دبرك ، واتقيت طعنتي بوجعائك ، ولثويت هالكا ، غير مكرم لا موسد ولا مكفن ; أو معناه : أنه لم يرفعك حسبك فينجيك من الموت ، ولم يعظم حسبك . والمحسبة : الوسادة من الأدم . وحسبه : أجلسه على الحسبانة أو المحسبة . ابن الأعرابي : يقال لبساط البيت : الحلس ، ولمخاده : المنابذ ، ولمساوره : الحسبانات ، ولحصره : الفحول . وفي حديث طلحة : هذا ما اشترى طلحة من فلان فتاه بخمسمائة درهم بالحسب والطيب ; أي بالكرامة من المشتري والبائع ، والرغبة وطيب النفس منهما ، وهو من حسبته إذا أكرمته ، وقيل : من الحسبانة وهي الوسادة الصغيرة ، وفي حديث سماك ، قال شعبة : سمعته يقول : ما حسبوا ضيفهم شيئا أي ما أكرموه . والأحسب : الذي ابيضت جلدته من داء ، ففسدت شعرته ، فصار أحمر وأبيض ; يكون ذلك في الناس والإبل . قال الأزهري عن الليث : وهو الأبرص . وفي الصحاح : الأحسب من الناس : الذي في شعر رأسه شقرة . قال امرؤ القيس :


                                                          أيا هند ! لا تنكحي بوهة     عليه عقيقته ، أحسبا



                                                          يصفه باللؤم والشح . يقول : كأنه لم تحلق عقيقته في صغره حتى شاخ . والبوهة : البومة العظيمة ، تضرب مثلا للرجل الذي لا خير فيه . وعقيقته : شعره الذي يولد به . يقول : لا تتزوجي من هذه [ ص: 115 ] صفته ; وقيل هو من الإبل الذي فيه سواد وحمرة أو بياض ، والاسم الحسبة تقول منه : أحسب البعير إحسابا . والأحسب : الأبرص . ابن الأعرابي : الحسبة سواد يضرب إلى الحمرة ; والكهبة : صفرة تضرب إلى حمرة ; والقهبة : سواد يضرب إلى الخضرة ; والشهبة : سواد وبياض ; والحلبة : سواد صرف ; والشربة : بياض مشرب بحمرة ; واللهبة : بياض ناصع نقي ; والنوبة : لون الخلاسي ، وهو الذي أخذ من سواد شيئا ومن بياض شيئا كأنه ولد من عربي وحبشية . وقال أبو زياد الكلابي الأحسب من الإبل : الذي فيه سواد وحمرة وبياض ، والأكلف نحوه . وقال شمر : هو الذي لا لون له ، الذي يقال فيه أحسب كذا وأحسب كذا . والحسب والتحسيب : دفن الميت ; وقيل : تكفينه ; وقيل : هو دفن الميت في الحجارة ; وأنشد :


                                                          غداة ثوى في الرمل ، غير محسب



                                                          أي غير مدفون ، وقيل : غير مكفن ، ولا مكرم ، وقيل : غير موسد ، والأول أحسن . قال الأزهري : لا أعرف التحسيب بمعنى الدفن في الحجارة ، ولا بمعنى التكفين ، والمعنى في قوله غير محسب أي غير موسد . وإنه لحسن الحسبة في الأمر أي حسن التدبير والنظر فيه ، وليس هو من احتساب الأجر . وفلان محتسب البلد ، ولا تقل محسبه . وتحسب الخبر : استخبر عنه ، حجازية . قال أبو سدرة الأسدي ، ويقال : إنه هجيمي ، ويقال : إنه لرجل من بني الهجيم :


                                                          تحسب هواس ، وأيقن أنني     بها مفتد من واحد لا أغامره



                                                          فقلت له : فاها لفيك ؛ فإنها قلوص امرئ ، قاريك ما أنت حاذره

                                                          يقول : تشمم هواس ، وهو الأسد ، ناقتي ، وظن أني أتركها له ، ولا أقاتله . ومعنى لا أغامره أي لا أخالطه بالسيف ، ومعنى من واحد أي من حذر واحد ، والهاء في فاها تعود على الداهية ، أي ألزم الله فاها لفيك ، وقوله : قاريك ما أنت حاذره ، أي لا قرى لك عندي إلا السيف . واحتسبت فلانا : اختبرت ما عنده ، والنساء يحتسبن ما عند الرجال لهن أي يختبرن . أبو عبيد : ذهب فلان يتحسب الأخبار أي يتجسسها ، بالجيم ، ويتحسسها ، ويطلبها تحسبا . وفي حديث الأذان : أنهم كانوا يجتمعون فيتحسبون الصلاة فيجيئون بلا داع ، أي يتعرفون ويتطلبون وقتها ويتوقعونه فيأتون المسجد قبل أن يسمعوا الأذان ; والمشهور في الرواية : يتحينون من الحين الوقت أي يطلبون حينها . وفي حديث بعض الغزوات : أنهم كانوا يتحسبون الأخبار أي يتطلبونها . واحتسب فلان على فلان : أنكر عليه قبيح عمله ; وقد سمت ( أي العرب ) حسيبا وحسيبا .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية