الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2149 ) مسألة : قال : ( ويجوز بلا صوم ، إلا أن يقول في نذره بصوم ) المشهور في المذهب أن الاعتكاف يصح بغير صوم . روي ذلك عن علي ، وابن مسعود ، وسعيد بن المسيب ، وعمر بن عبد العزيز ، والحسن ، وعطاء ، وطاوس ، والشافعي ، وإسحاق .

                                                                                                                                            وعن أحمد ، رواية أخرى ، أن الصوم شرط في الاعتكاف . قال : إذا اعتكف يجب عليه الصوم . وروي ذلك عن ابن عمر ، وابن عباس ، وعائشة . وبه قال الزهري ، ومالك ، وأبو حنيفة ، والليث ، والثوري ، والحسن بن يحيى ; لما روي عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه قال : لا اعتكاف إلا بصوم } . رواه الدارقطني .

                                                                                                                                            وعن ابن عمر ، { أن عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اعتكف ، وصم } . رواه أبو داود . ولأنه لبث في مكان مخصوص . فلم يكن بمجرده قربة ، كالوقوف . [ ص: 65 ]

                                                                                                                                            ولنا ، ما روى ابن عمر ، عن عمر ، { أنه قال : يا رسول الله ، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك } . رواه البخاري . ولو كان الصوم شرطا لما صح اعتكاف الليل ، لأنه لا صيام فيه ، ولأنه عبادة تصح في الليل ، فلم يشترط له الصيام كالصلاة ، ولأنه عبادة تصح في الليل ، فأشبه سائر العبادات ، ولأن إيجاب الصوم حكم لا يثبت إلا بالشرع ، ولم يصح فيه نص ، ولا إجماع .

                                                                                                                                            قال سعيد : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن أبي سهل ، قال : كان على امرأة من أهلي اعتكاف ، فسألت عمر بن عبد العزيز . فقال : ليس عليها صيام ، إلا أن تجعله على نفسها . فقال الزهري : لا اعتكاف إلا بصوم . فقال له عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا . قال : فعن أبي بكر ؟ قال : لا . قال : فعن عمر ؟ قال : لا . قال : وأظنه قال : فعن عثمان ؟ قال : لا . فخرجت من عنده ، فلقيت عطاء وطاوسا ، فسألتهما ، فقال طاوس : كان فلان لا يرى عليها صياما ، إلا أن تجعله على نفسها ، وأحاديثهم لا تصح . أما حديثهم عن عمر ، فتفرد به ابن بديل ، وهو ضعيف ، قال أبو بكر النيسابوري : هذا حديث منكر . والصحيح ما رويناه ، أخرجه البخاري ، والنسائي ، وغيرهما . وحديث عائشة موقوف عليها ، ومن رفعه فقد وهم ، ولو صح فالمراد به الاستحباب ; فإن الصوم فيه أفضل ، وقياسهم ينقلب عليهم ; فإنه لبث في مكان مخصوص ، فلم يشترط له الصوم كالوقوف ، ثم نقول بموجبه ، فإنه لا يكون قربة بمجرده ، بل بالنية . إذا ثبت هذا فإنه يستحب أن يصوم ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف وهو صائم ، ولأن المعتكف يستحب له التشاغل بالعبادات والقرب ، والصوم من أفضلها ، ويتفرغ به مما يشغله عن العبادات ، ويخرج به من الخلاف . ( 2150 )

                                                                                                                                            فصل : إذا قلنا : إن الصوم شرط . لم يصح اعتكاف ليلة مفردة ، ولا بعض يوم ; ولا ليلة وبعض يوم ; لأن الصوم المشترط لا يصح في أقل من يوم . ويحتمل أن يصح في بعض اليوم ، إذا صام اليوم كله ; لأن الصوم المشروط وجد في زمن الاعتكاف ، ولا يعتبر وجود المشروط في زمن الشرط كله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية