الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                فصل وهذا مما يبين أن ما نزه الله نفسه ونفاه عنه بقوله : { لم يلد ولم يولد } وبقوله : { ألا إنهم من إفكهم ليقولون } { ولد الله وإنهم لكاذبون } وقوله : { وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون } { بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم } يعم جميع الأنواع التي تذكر في هذا الباب عن بعض الأمم كما أن ما نفاه من اتخاذ الولد يعم أيضا جميع أنواع الاتخاذات الاصطفائية كما قال تعالى : { وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير } . قال السدي : قالوا : إن الله أوحى إلى إسرائيل أن ولدك بكري من الولد فأدخلهم النار فيكونون فيها أربعين يوما حتى تطهرهم وتأكل خطاياهم ثم ينادي مناد أخرجوا كل مختون من بني إسرائيل . وقد قال تعالى : { ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله } وقال : { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل } وقال : { تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا } { الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا } وقال : { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون } { لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون } { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون } { ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين } وقال : { وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون } { وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا } إلى قوله : { ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا } إلى قوله : { ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون } وقال : { ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا } { أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما } { ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا } { قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا } وقال : { فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون } { أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون } { ألا إنهم من إفكهم ليقولون } { ولد الله وإنهم لكاذبون } { أصطفى البنات على البنين } { ما لكم كيف تحكمون } { أفلا تذكرون } { أم لكم سلطان مبين } { فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين } { وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون } { سبحان الله عما يصفون } { إلا عباد الله المخلصين } { فإنكم وما تعبدون } { ما أنتم عليه بفاتنين } { إلا من هو صالي الجحيم } وقال : { أفرأيتم اللات والعزى } { ومناة الثالثة الأخرى } { ألكم الذكر وله الأنثى } { تلك إذا قسمة ضيزى } { إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى } إلى قوله : { إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى } وقال تعالى : { وجعلوا له من عباده جزءا } .

                قال بعض المفسرين : { جزءا } أي نصيبا وبعضا وقال بعضهم : جعلوا لله نصيبا من الولد وعن قتادة ومقاتل عدلا . وكلا القولين صحيح فإنهم يجعلون له ولدا والولد يشبه أباه ولهذا قال : { وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا } أي البنات . كما فال في الآية الأخرى : { وإذا بشر أحدهم بالأنثى } فقد جعلوها للرحمن مثلا وجعلوا له من عباده جزءا فإن الولد جزء من الوالد كما تقدم قال صلى الله عليه وسلم { إنما فاطمة بضعة مني } وقوله : { وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم } قال الكلبي نزلت في الزنادقة قالوا : إن الله وإبليس شريكان فالله خالق النور والناس والدواب والأنعام . وإبليس خالق الظلمة والسباع والحيات والعقارب . وأما قوله : { وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا } فقيل هو قولهم : الملائكة بنات الله وسمى الملائكة جنا لاجتنانهم عن الأبصار . وهو قول مجاهد وقتادة وقيل قالوا لحي من الملائكة يقال لهم الجن [ ص: 272 ] ومنهم إبليس وهم بنات الله وقال الكلبي قالوا - لعنهم الله - بل تزوج من الجن فخرج بينهما الملائكة . وقوله : { وخرقوا له بنين وبنات بغير علم } قال بعض المفسرين كالثعلبي وهم كفار العرب قالوا الملائكة والأصنام بنات الله واليهود قالوا عزير ابن الله والنصارى قالوا المسيح ابن الله .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية