الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              466 - علي الجرجاني

              ومنهم المتخلي من الشهوات ، والمتحلي بالخلوات ، تخلى من الجزع والهلع ، واستحلى الفزع والضرع ، علي الجرجاني ، من قدماء المتعبدين .

              حدثنا إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري ببغداد - قال : سمعت أبا حامد أحمد بن محمد بن حمدان النيسابوري ، يقول : سمعت إسماعيل بن عبد الله الشامي ، يقول : سمعت سريا السقطي ، يقول : خرجت من بغداد أريد الرباط إلى عبادان لأصوم بها رجبا وشعبان ورمضان ، فلقيت في طريقي عليا الجرجاني ، وكان من الزهاد الكبار فدنا وقت إفطاري ، وكان معي ملح مدقوق وأقراص ، فقلت : هلم رحمك الله ، فقال : ملحك مدقوق ومعك من ألوان الطعام ، لن تفلح ، ولن تدخل بستان المحبين ، فنظرت إلى مزود كان معه فيه سويق الشعير ، فيسف منها ، فقلت : ما دعاك إلى هذا ؟ قال : " إني حسبت ما بين المضغ إلى الاستفاف سبعين تسبيحة ، فما مضغت الخبز منذ أربعين سنة ، فلما دخلنا عبادان قلت : موعظة أحفظها عنك ، قال : نعم إن شاء الله ، احفظ عني خمس [ ص: 111 ] خصال : إنك إن حفظتها لا تبالي ما أضعت بعدها ، قلت : نعم ، قال : عانق الفقر ، وتوسد الصبر ، وعاد الشهوات ، وخالف الهوى ، وافزع إلى الله في جميع أمورك ، قلت : فإذا كنت كذلك ؟ قال : يهب الله لك خمسا : الزهد ومع الزهد القنوع ومع القنوع الرضا ، ومع الرضا المعرفة ، ومع المعرفة الشوق ، ثم يهب لك خمسا : السباق ، والبدار ، والتخفف ، وحسن البشارة ، وحسن المنقلب إلى الله ، أولئك أحباء الله ، قلت : فأين ترى لي أن أسكن ؟ قال : ارحل نحو الأكم ، قلت : فهل شيء أعيش به ؟ قال : فمقت في وجهي ، وقال : تفر إلى الله من ذنبك ، وتستبطئه في رزقك ؟ فلا والله ما أدري دخل البحر أم لا " . وحكى جعفر بن نصير عن السري ، بزيادة ألفاظ .

              أخبرني جعفر بن محمد - في كتابه حاكيا عن السري السقطي - قال : خرجت من بغداد أريد الرباط إلى عبادان فصحبني علي الجرجاني في الزورق ، فلما حضر وقت إفطاري أخرجت قرصين من شعير وملح مدقوق ، وقلت لعلي : هلم يا أبا الحسن ، قال : فجعل يطيل النظر إلى الرغيفين والملح ، ثم إنه التفت إلي ، فقال : يا سري ، ملحك مدقوق ؟ قلت : نعم ، قال : يا سري ، ليس تفلح ، قلت : ولم ؟ قال : يا سري ، أما علمت أن خبز الشعير والملح الجريش ينور القلب ، فجعل يتردد في صدري ، فلما قربنا من عبادان وأردنا أن نفترق ، قلت : رحمك الله ، كلمة أحفظها عنك ، قال : أو تفعل ؟ قلت : نعم أفعل ، فقال لي : يا سري احفظ عني خمس خصال ، إن أنت حفظتها لا تبالي ما ضيعت بعدهن ، قلت : وما هن يرحمك الله ؟ قال : " يا سري عانق الفقر ، وتوسد الصبر ، وعاد الشهوات ، وخالف الهوى ، واضرع إلى الله في جميع أمورك ، فإذا كنت كذاك وهب الله لك خمسا ، قلت : وما هن ؟ قال : الشكر ، والرضا ، والخوف ، والرجاء ، والصبر على البلاء ، ثم تدفعك هذه إلى خمس : إلى الورع الخفي ، وتصفية القلوب ، وترك ما حاك في الصدور ، وترك ما لا يعنيك ، وترك الفضول لحفظ الجوارح ، ثم تمدك بخمس : بحياة القلوب ، وصفاء الاعتبار ، والفهم [ ص: 112 ] عن الله ، والتيقظ من الغفلة ، ومساعدة الأوطان في طاعة الله ، فعندها يريدك الله بخمسة أردية : اللطف ، والحلم ، والرأفة ، والرحمة للعالم ، وهيبة النار ، إذا اطلعت عليها ذكرت الله بالربوبية ، ويلزم قلبك خمسا : السباق ، والبدار ، والتصبر عن الحرام ، وصدق الانقطاع ، وصحة الإرادة " .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية