الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
. فصل في كلام الأئمة في أدوات الفتيا ، وشروطها ، ومن ينبغي له أن يفتي وأين يسع قول المفتي " لا أدري " ؟ .

[ أدوات الفتيا ] .

قال الإمام أحمد ، في رواية ابنه صالح عنه : ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على أن يكون عالما بوجوه القرآن ، عالما بالأسانيد الصحيحة ، عالما بالسنن ، وإنما جاء خلاف من خالف لقلة معرفتهم بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقلة معرفتهم بصحيحها من سقيمها .

وقال في رواية ابنه عبد الله : إذا كان عند الرجل الكتب المصنفة فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلاف الصحابة والتابعين فلا يجوز أن يعمل بما شاء ويتخير فيقضي به ويعمل به حتى يسأل أهل العلم ما يؤخذ به فيكون يعمل على أمر صحيح .

وقال في رواية أبي الحارث : لا يجوز الإفتاء إلا لرجل عالم بالكتاب والسنة [ ص: 36 ]

وقال في رواية حنبل : ينبغي لمن أفتى أن يكون عالما بقول من تقدم ، وإلا فلا يفتي .

وقال محمد بن عبد الله بن المنادي : سمعت رجلا يسأل أحمد : إذا حفظ الرجل مائة ألف حديث يكون فقيها ؟ قال : لا ، قال : فمائتي ألف ؟ قال : لا ، قال : فثلاث مائة ألف ؟ قال : لا ، قال : فأربع مائة ألف ، قال بيده هكذا ، وحرك يده .

قال أبو الحسين : وسألت جدي محمد بن عبيد الله ، قلت : فكم كان يحفظ أحمد بن حنبل ؟ قال : أخذ عن ستمائة ألف .

قال أبو حفص : قال لي أبو إسحاق : لما جلست في جامع المنصور للفتيا ذكرت هذه المسألة فقال لي رجل : فأنت هو ذا لا تحفظ هذا القدر حتى تفتي الناس ، فقلت له : عافاك الله إن كنت لا أحفظ هذا المقدار فإني هو ذا أفتي الناس بقول من كان يحفظ هذا المقدار وأكثر منه .

قال القاضي أبو يعلى : وظاهر هذا الكلام أنه لا يكون من أهل الاجتهاد إذا لم يحفظ من الحديث هذا القدر الكثير الذي ذكره ، وهذا محمول على الاحتياط والتغليظ في الفتوى ، ثم ذكر حكاية أبي إسحاق لما جلس في جامع المنصور ، قال : وليس هذا الكلام من أبي إسحاق مما يقتضي أنه كان يقلد أحمد فيما يفتي به ، لأنه قد نص في بعض تعاليقه على كتاب العلل على الدلالة على منع الفتوى بغير علم ; لقوله تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم } .

قلت : هذه المسألة فيها ثلاثة أقوال لأصحاب أحمد :

التالي السابق


الخدمات العلمية