الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال

                                                                      1083 حدثنا محمد بن عيسى حدثنا حسان بن إبراهيم عن ليث عن مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة وقال إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة قال أبو داود هو مرسل مجاهد أكبر من أبي الخليل وأبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة [ ص: 315 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 315 ] 221 باب الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال من السنن والنوافل تجوز ( يوم الجمعة ) وقت استواء الشمس ( قبل الزوال ) ولا يجوز ذلك في غير يوم الجمعة .

                                                                      ( إن جهنم تسجر ) بصيغة المجهول من باب نصر أي توقد . قال الخطابي : قوله تسجر جهنم وبين قرني الشيطان وأمثالها من الألفاظ الشرعية التي أكثرها ينفرد الشارع بمعانيها ويجب علينا التصديق بها والوقوف عند الإقرار بصحتها والعمل بموجبها . كذا في النهاية ( إلا يوم الجمعة ) فإنها لا تسجر فتجوز الصلاة يوم الجمعة وقت استواء الشمس قبل الزوال ( هو مرسل ) قال المنذري : وأبو الخليل صالح بن أبي مريم ضبعي بصري ثقة احتج به البخاري ومسلم . انتهى . وأخرج البيهقي في المعرفة من طريق سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة " .

                                                                      ومن طريق أبي نضرة العبدي أنه حدثه عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة الدوسي صاحبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة " ثم ساق رواية أبي قتادة وقال بعد ذلك : هذا مرسل . أبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة ، ورواية أبي هريرة وأبي سعيد في إسنادهما من لا يحتج به ولكنها إذا انضمت إلى رواية أبي قتادة أخذت بعض القوة . وروينا الرخصة في ذلك عن طاوس ومكحول . انتهى مختصرا .

                                                                      قال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد في خصائص يوم الجمعة : الحادي عشر أنه لا يكره فعل الصلاة فيه وقت الزوال عند الشافعي ومن وافقه وهو اختيار شيخنا ابن تيمية .

                                                                      [ ص: 316 ] وحديث أبي قتادة قال أبو داود هو مرسل والمرسل إذا اتصل به عمل وعضده قياس أو قول صحابي أو كان مرسله معروفا باختيار الشيوخ ورغبته عن الرواية عن الضعفاء والمتروكين ونحو ذلك مما يقتضي قوته عمل به . انتهى ملخصا .

                                                                      قال صاحب الإمام : وقوى الشافعي ذلك بما رواه عن ثعلبة بن أبي مالك عن عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يصلون نصف النهار يوم الجمعة . قال الحافظ ابن حجر : كراهة الصلاة نصف النهار هو مذهب الأئمة الثلاثة والجمهور ، وخالف مالك فقال : وما أدركت أهل الفضل إلا وهم يجتهدون يصلون نصف النهار . قال ابن عبد البر : وقد روى مالك حديث الصنابحي ولفظه ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها ، وفي آخره : ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في تلك الساعات . فإما أنه لم يصح عنده وإما أنه رده بالعمل الذي ذكره . وقد استثنى الشافعي ومن وافقه من ذلك يوم الجمعة . انتهى كذا في إعلام أهل العصر . وأما صلاة الجمعة قبل الزوال فأخرج الدارقطني في سننه من طريق ثابت بن الحجاج الكلابي عن عبد الله بن سيدان السلمي قال " شهدت يوم الجمعة مع أبي بكر وكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار ثم شهدتها مع عمر وكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول انتصف النهار ، ثم شهدتها مع عثمان فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول زال النهار ، فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره " قال في التعليق المغني : الحديث رواته كلهم ثقات إلا عبد الله بن سندان وقيل سيدان . قال البخاري : لا يتابع على حديثه ، وقال أبو القاسم اللالكائي : مجهول وقال ابن عدي : شبه المجهول .

                                                                      والحديث أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند وأبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له وابن أبي شيبة من رواية عبد الله بن سيدان . قال الحافظ في الفتح : رجاله ثقات إلا عبد الله بن سيدان فإنه تابعي كبير إلا أنه غير معروف العدالة . وروى ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن سلمة قال " صلى بنا عبد الله يعني ابن مسعود الجمعة ضحى وقال : " خشيت عليكم الحر " وعبد الله بن سلمة صدوق إلا أنه ممن تغير لما كبر . قاله شعبة وغيره . وأخرج أيضا من طريق سعيد بن سويد قال " صلى بنا معاوية الجمعة ضحى " وسعيد ذكره ابن عدي في الضعفاء .

                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة من طريق أبي رزين قال : كنا نصلي مع علي الجمعة فأحيانا نجد فيئا وأحيانا لا نجد . كذا في الفتح . وقال ابن تيمية في المنتقى : حديث عبد الله بن سيدان أخرجه الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله ، قال [ ص: 317 ] وكذلك روي عن ابن مسعود وجابر وسعيد بن زيد ومعاوية أنهم صلوها قبل الزوال . انتهى .

                                                                      وهذه الروايات استدل بها من ذهب إلى جواز صلاة الجمعة قبل الزوال وإن كان بعد الزوال أفضل ، وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه . قال النووي قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس ولم يخالف في هذا إلا أحمد بن حنبل وإسحاق فجوزا ما قبل الزوال . انتهى . وقد أغرب أبو بكر بن العربي فنقل الإجماع على أنها لا تجب حتى تزول الشمس إلا ما نقل عن أحمد أنه إن صلاها قبل الزوال أجزأ .

                                                                      قال الحافظ : وقد نقل ابن قدامة وغيره عن جماعة من السلف مثل قول أحمد . انتهى . وقال الشيخ العابد الزاهد عبد القادر الجيلاني في غنية الطالبين : ووقتها قبل الزوال في الوقت الذي تقام فيه صلاة العيد . انتهى . والحاصل أن صلاة الجمعة بعد الزوال ثابتة بالأحاديث الصحيحة الصريحة غير محتملة التأويل وقوية من حيث الدليل ، وأما قبل الزوال فجائز أيضا . والله أعلم .




                                                                      الخدمات العلمية