الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حفر ]

                                                          حفر : حفر الشيء يحفره حفرا واحتفره : نقاه كما تحفر الأرض بالحديدة ، واسم المحتفر الحفرة . واستحفر النهر : حان له أن يحفر . والحفيرة والحفر والحفير . البئر الموسعة فوق قدرها ، والحفر ، بالتحريك : التراب المخرج من الشيء المحفور ، وهو مثل الهدم ، ويقال : هو المكان الذي حفر ; وقال الشاعر :


                                                          قالوا : انتهينا وهذا الخندق الحفر



                                                          والجمع من كل ذلك أحفار ، وأحافير جمع الجمع ; أنشد ابن الأعرابي :


                                                          جوب لها من جبل هرشم     مسقى الأحافير ثبيت الأم



                                                          وقد تكون الأحافير جمع حفير كقطيع وأقاطيع . وفي الأحاديث : ذكر حفر أبي موسى ، وهو بفتح الحاء والفاء ، وهي ركايا احتفرها على جادة الطريق من البصرة إلى مكة ، وفيه ذكر الحفيرة ، بفتح الحاء وكسر الفاء ، نهر بالأردن نزل عنده النعمان بن بشير ، وأما بضم الحاء وفتح الفاء فمنزل بين ذي الحليفة وملك يسلكه الحاج . والمحفر والمحفرة والمحفار : المسحاة ونحوها مما يحتفر به ، وركية حفيرة ، وحفر بديع ، وجمع الحفر أحفار ; وأتى يربوعا مقصعا أو مرهطا فحفره وحفر عنه واحتفره . الأزهري : قال أبو حاتم : يقال حافر محافرة ، وفلان أروغ من يربوع محافر ، وذلك أن يحفر في لغز من ألغازه فيذهب سفلا ويحفر الإنسان حتى يعيا فلا يقدر عليه ويشتبه عليه الجحر ، فلا يعرفه من غيره فيدعه ، فإذا فعل اليربوع ذلك قيل لمن يطلبه : دعه فقد حافر فلا يقدر عليه أحد ; ويقال إنه إذا حافر وأبى أن يحفر التراب وينبثه ويذري وجه جحره ، يقال : قد جثا فترى [ ص: 163 ] الجحر مملوءا ترابا مستويا مع ما سواه إذا جثا ، ويسمى ذلك الجاثياء ، ممدودا ; يقال : ما أشد اشتباه جاثيائه . وقال ابن شميل : رجل محافر ليس له شيء ; وأنشد :


                                                          محافر العيش أتى جواري     ليس له ، مما أفاء الشاري
                                                          غير مدى وبرمة أعشار



                                                          وكانت سورة براءة تسمى الحافرة ، وذلك أنها حفرت عن قلوب المنافقين ، وذلك أنه لما فرض القتال تبين المنافق من غيره ومن يوالي المؤمنين ممن يوالي أعداءهم . والحفر والحفر : سلاق في أصول الأسنان ، وقيل : هي صفرة تعلو الأسنان . الأزهري : الحفر والحفر ، جزم وفتح لغتان ، وهو ما يلزق بالأسنان من ظاهر وباطن ، تقول : حفرت أسنانه تحفر حفرا . ويقال : في أسنانه حفر ، و بنو أسد تقول : في أسنانه حفر ، بالتحريك ; وقد حفرت تحفر حفرا ، مثال كسر يكسر كسرا : فسدت أصولها ; ويقال أيضا : حفرت مثال تعب تعبا ، قال : وهي أردأ اللغتين ; وسئل شمر عن الحفر في الأسنان فقال : هو أن يحفر القلح أصول الأسنان بين اللثة وأصل السن من ظاهر وباطن ، يلح على العظم حتى ينقشر العظم إن لم يدرك سريعا . ويقال : أخذ فمه حفر وحفر . ويقال : أصبح فم فلان محفورا ، وقد حفر فوه ، وحفر يحفر حفرا ، وحفر حفرا فيهما . وأحفر الصبي : سقطت له الثنيتان العلييان والسفليان ، فإذا سقطت رواضعه قيل : حفرت . وأحفر المهر للإثناء والإرباع والقروح : سقطت ثناياه لذلك . وأفرت الإبل للإثناء إذا ذهبت رواضعها وطلع غيرها . وقال أبو عبيدة في كتاب الخيل : يقال أحفر المهر إحفارا ، فهو محفر ، قال : وإحفاره أن تتحرك الثنيتان السفليان والعلييان من رواضعه ، فإذا تحركن قالوا : قد أحفرت ثنايا رواضعه فسقطن ; قال : وأول ما يحفر فيما بين ثلاثين شهرا أدنى ذلك إلى ثلاثة أعوام ثم يسقطن فيقع عليها اسم الإبداء ، ثم تبدي فيخرج له ثنيتان سفليان وثنيتان علييان كان ثناياه الرواضع اللواتي سقطن بعد ثلاثة أعوام ، فهو مبد ; قال : ثم يثني فلا يزال ثنيا حتى يحفر إحفارا ، وإحفاره أن تحرك له الرباعيتان السفليان والرباعيتان العلييان من رواضعه ، وإذا تحركن قيل : قد أحفرت رباعيات رواضعه ، فيسقطن أول ما يحفرن في استيفائه أربعة أعوام ثم يقع عليها اسم الإبداء ، ثم لا يزال رباعيا حتى يحفر للقروح وهو أن يتحرك قارحاه وذلك إذا استوفى خمسة أعوام ; ثم يقع عليه اسم الإبداء على ما وصفناه ثم هو قارح . ابن الأعرابي : إذا استتم المهر سنتين فهو جذع ثم إذا استتم الثالثة فهو ثني ، فإذا أثنى ألقى رواضعه فيقال : أثنى وأدرم للإثناء ; ثم هو رباع إذا استتم الرابعة من السنين يقال : أهضم للإرباع ، وإذا دخل في الخامسة فهو قارح ; قال الأزهري : وصوابه إذا استتم الخامسة فيكون موافقا لقول أبي عبيدة قال : وكأنه سقط شيء . وأحفر المهر للإثناء والإرباع والقروح إذا ذهبت رواضعه وطلع غيرها . والتقى القوم فاقتتلوا عند الحافرة أي عند أول ما التقوا . والعرب تقول : أتيت فلانا ثم رجعت على حافرتي أي طريقي الذي أصعدت فيه خاصة فإن رجع على غيره لم يقل ذلك ; وفي التهذيب : أي رجعت من حيث جئت . ورجع على حافرته أي الطريق الذي جاء منه . والحافرة : الخلقة الأولى . وفي التنزيل العزيز : أئنا لمردودون في الحافرة أي في أول أمرنا ; وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          أحافرة على صلع وشيب ؟     معاذ الله من سفه وعار !



                                                          يقول : أأرجع إلى ما كنت عليه في شبابي وأمري الأول من الغزل والصبا بعدما شبت وصلعت ؟ والحافرة : العودة في الشيء حتى يرد آخره على أوله . وفي الحديث : إن هذا الأمر يترك على حاله حتى يرد على حافرته ; أي على أول تأسيسه . وفي حديث سراقة قال : يا رسول الله ، أرأيت أعمالنا التي نعمل ؟ أمؤاخذون بها عند الحافرة خير فخير أو شر فشر أو شيء سبقت به المقادير وجفت به الأقلام ؟ وقال الفراء في قوله تعالى : في الحافرة معناه أئنا لمردودون إلى أمرنا الأول أي الحياة . وقال ابن الأعرابي : في الحافرة ، أي في الدنيا كما كنا ; وقيل معنى قوله أئنا لمردودون في الحافرة أي في الخلق الأول بعدما نموت . وقالوا في المثل : النقد عند الحافرة والحافر أي عند أول كلمة ; وفي التهذيب : معناه إذا قال قد بعتك رجعت عليه بالثمن وهما في المعنى واحد ; قال : وبعضهم يقول : النقد عند الحافر يريد حافر الفرس ، وكأن هذا المثل جرى في الخيل ، وقيل : الحافرة الأرض التي تحفر فيها قبورهم فسماها الحافرة ، والمعنى يريد المحفورة كما قال : ماء دافق يريد : مدفوق ; وروى الأزهري عن أبي العباس أنه قال هذه كلمة كانوا يتكلمون بها عند السبق ، قال : والحافرة الأرض المحفورة ، يقال أول ما يقع حافر الفرس على الحافرة فقد وجب النقد يعني في الرهان ; أي كما يسبق فيقع حافره ; يقول : هات النقد ; وقال الليث : النقد عند الحافر معناه إذا اشتريته فلن تبرح حتى تنقد . وفي حديث أبي قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم ، عن التوبة النصوح ، قال : هو الندم على الذنب حين يفرط منك وتستغفر الله بندامتك عند الحافر تعود إليه أبدا ; قيل : كانوا لنفاسة الفرس عندهم ونفاستهم بها لا يبيعونها إلا بالنقد ، فقالوا : النقد عند الحافر أي عند بيع ذات الحافر وصيروه مثلا ، ومن قال عند الحافرة فإنه لما جعل الحافرة في معنى الدابة نفسها ، وكثر استعماله من غير ذكر الذات ، ألحقت به علامة التأنيث إشعارا بتسمية الذات بها أو هي فاعلة من الحفر ؛ لأن الفرس بشدة دوسها تحفر الأرض ; قال : هذا هو الأصل ثم كثر حتى استعمل في كل أولية فقيل : رجع إلى حافره وحافرته ، وفعل كذا عند الحافرة والحافر ، والمعنى يتخير الندامة والاستغفار عند مواقعة الذنب من غير تأخير ؛ لأن التأخير من الإصرار ، والباء في بندامته بمعنى مع أو للاستعانة أي تطلب مغفرة الله بأن تندم ، والواو في وتستغفر للحال أو للعطف على معنى الندم . والحافر من الدواب يكون للخيل والبغال والحمير : اسم كالكاهل والغارب ، والجمع حوافر ; قال :


                                                          أولى فأولى يا امرأ القيس ، بعدما [ ص: 164 ]     خصفن بآثار المطي الحوافرا



                                                          أراد : خصفن بالحوافر آثار المطي يعني آثار أخفافه فحذف الباء الموحدة من الحوافر وزاد أخرى عوضا منها في آثار المطي ، هذا على قول من لم يعتقد القلب ، وهو أمثل ، فما وجدت مندوحة عن القلب لم ترتكبه ، ومن هنا قال بعضهم : معنى قولهم النقد عند الحافر أن الخيل كانت أعز ما يباع فكانوا يبارحون من اشتراها حتى ينقد البائع ، وليس ذلك بقوي . ويقولون للقدم حافرا إذا أرادوا تقبيحها ; قال :


                                                          أعوذ بالله من غول     مغولة كأن حافرها في ظنبوب



                                                          الجوهري : الحافر واحد حوافر الدابة وقد استعاره الشاعر في القدم ; قال جبيها الأسدي يصف ضيفا طارقا أسرع إليه :


                                                          فأبصر ناري ، وهي شقراء أوقدت     بليل فلاحت للعيون النواظر
                                                          فما رقد الولدان ، حتى رأيته     على البكر يمريه بساق وحافر



                                                          ومعنى يمريه : يستخرج ما عنده من الجري . والحفرة : واحدة الحفر . والحفرة : ما يحفر في الأرض . والحفر : اسم المكان الذي حفر كخندق أو بئر . والحفر : الهزال ; عن كراع . وحفر الغرز العنز يحفرها حفرا : أهزلها . وهذا غيث لا يحفره أحد أي لا يعلم أحد أين أقصاه ، والحفرى مثال الشعرى : نبت ، وقيل : هو شجر ينبت في الرمل لا يزال أخضر ، وهو من نبات الربيع ، وقال أبو حنيفة : الحفرى ذات ورق وشوك صغار لا تكون إلا في الأرض الغليظة ولها زهرة بيضاء ، وهي تكون مثل جثة الحمامة ; قال أبو النجم في وصفها :


                                                          يظل حفراه ، من التهدل     في روض دفراء ورعل مخجل



                                                          الواحدة من كل ذلك حفراة ، وناس من أهل اليمن يسمون الخشبة ذات الأصابع التي يذرى بها الكدس المدوس وينقى بها البر من التبن : الحفراة ، ابن الأعرابي : أحفر الرجل إذا رعت إبله الحفرى ، وهو نبت ; قال الأزهري : وهو من أردإ المراعي . قال : وأحفر إذا عمل بالحفراة ، وهي الرفش الذي يذرى به الحنطة وهي الخشبة المصمتة الرأس ، فأما المفرج فهو العضم ، بالضاد ، والمعزقة ; قال : والمعزقة في غير هذا : المر ; قال : والرفش في غير هذا : الأكل الكثير . ويقال : حفرت ثرى فلان إذا فتشت عن أمره ووقفت عليه ، وقال ابن الأعرابي : حفر إذا جامع ، وحفر إذا فسد : والحفير : القبر . وحفره حفرا : هزله ; يقال : ما حامل إلا والحمل يحفرها إلا الناقة فإنها تسمن عليه . وحفرة وحفيرة ، وحفير وحفر ، ويقالان بالألف واللام : مواضع ، وكذلك أحفار والأحفار قال الفرزدق :


                                                          فيا ليت داري بالمدينة أصبحت     بأحفار فلج ، أو بسيف الكواظم



                                                          وقال ابن جني : أراد الحفر وكاظمة فجمعهما ضرورة . الأزهري : حفر وحفيرة اسما موضعين ذكرهما الشعراء القدماء . قال الأزهري : والأحفار المعروفة في بلاد العرب ثلاثة : فمنها حفر أبي موسى ، وهي ركايا احتفرها أبو موسى الأشعري على جادة البصرة ، قال : وقد نزلت بها واستقيت من ركاياها وهي ما بين ماوية والمنجشانيات ، وركايا الحفر مستوية بعيدة الرشاء عذبة الماء ; ومنها حفر ضبة ، وهي ركايا بناحية الشواجن بعيدة القعر عذبة الماء ; ومنها حفر سعد بن زيد مناة بن تميم ، وهي بحذاء العرمة وراء الدهناء يستقى منها بالسانية عند جبل من جبال الدهناء يقال له جبل الحاضر .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية