الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حكم ]

                                                          حكم : الله - سبحانه وتعالى - أحكم الحاكمين ، وهو الحكيم له الحكم ، سبحانه وتعالى . قال الليث : الحكم الله - تعالى . الأزهري : من صفات الله الحكم والحكيم والحاكم ، ومعاني هذه الأسماء متقاربة ، والله أعلم ، بما أراد بها وعلينا الإيمان بأنها من أسمائه . ابن الأثير : في أسماء الله - تعالى - الحكم والحكيم وهما بمعنى الحاكم ، وهو القاضي ، فهو فعيل بمعنى فاعل ، أو هو الذي يحكم الأشياء ويتقنها ، فهو فعيل بمعنى مفعل ، وقيل : الحكيم ذو الحكمة ، والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم . ويقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويتقنها : حكيم ، والحكيم يجوز أن يكون بمعنى الحاكم مثل قدير بمعنى قادر وعليم بمعنى عالم . الجوهري : الحكم الحكمة من العلم ، والحكيم العالم وصاحب الحكمة . وقد حكم أي صار حكيما ; قال النمر بن تولب :


                                                          وأبغض بغيضك بغضا رويدا إذا أنت حاولت أن تحكما



                                                          أي إذا حاولت أن تكون حكيما . والحكم : العلم والفقه ; قال الله - تعالى : وآتيناه الحكم صبيا أي علما وفقها ، هذا ليحيى بن زكريا ; وكذلك قوله :


                                                          الصمت حكم وقليل فاعله



                                                          وفي الحديث : ( إن من الشعر لحكما ) أي إن في الشعر كلاما نافعا يمنع من الجهل والسفه وينهى عنهما ، قيل : أراد بها المواعظ والأمثال التي ينتفع الناس بها . والحكم : العلم والفقه والقضاء بالعدل ، وهو مصدر حكم يحكم ويروى : ( إن من الشعر لحكمة ) وهو بمعنى الحكم ; ومنه الحديث : الخلافة في قريش والحكم في الأنصار . خصهم بالحكم ؛ لأن أكثر فقهاء الصحابة فيهم ، منهم معاذ بن جبل ، و أبي بن كعب ، و زيد بن ثابت وغيرهم . قال الليث : بلغني أنه نهى أن يسمى الرجل حكيما ، قال الأزهري : وقد سمى الناس حكيما وحكما ، قال : وما علمت النهي عن التسمية بهما صحيحا . ابن الأثير : وفي حديث أبي شريح أنه كان يكنى أبا الحكم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله هو الحكم ) وكناه بأبي شريح ، وإنما كره له ذلك لئلا يشارك الله في صفته ; وقد سمى الأعشى القصيدة المحكمة حكيمة فقال :


                                                          وغريبة ، تأتي الملوك ، حكيمة     قد قلتها ليقال : من ذا قالها ؟



                                                          وفي الحديث في صفة القرآن : وهو الذكر الحكيم أي الحاكم لكم وعليكم ، أو هو المحكم الذي لا اختلاف فيه ولا اضطراب ، فعيل بمعنى مفعل ، أحكم فهو محكم . وفي حديث ابن عباس : قرأت المحكم على عهد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يريد المفصل من القرآن لأنه لم ينسخ منه شيء ، وقيل : هو ما لم يكن متشابها ؛ لأنه أحكم بيانه بنفسه ولم يفتقر إلى غيره ، والعرب تقول : حكمت وأحكمت وحكمت بمعنى منعت ورددت ، ومن هذا قيل للحاكم بين الناس حاكم ؛ لأنه يمنع الظالم من الظلم . وروى المنذري عن أبي طالب أنه قال في قولهم : حكم الله بيننا ; قال الأصمعي : أصل الحكومة رد الرجل عن الظلم ، قال : ومنه سميت حكمة اللجام ؛ لأنها ترد الدابة ; ومنه قول لبيد :


                                                          أحكم الجنثي من عوراتها     كل حرباء ، إذا أكره صل



                                                          والجنثي : السيف ; المعنى : رد السيف عن عورات الدرع وهي فرجها كل حرباء ، وقيل : المعنى أحرز الجنثي وهو الزراد مساميرها ، ومعنى الإحكام حينئذ الإحراز . قال ابن سيده : الحكم القضاء ، وجمعه أحكام ، لا يكسر على غير ذلك ، وقد حكم عليه بالأمر يحكم حكما وحكومة وحكم بينهم كذلك . والحكم : مصدر قولك حكم بينهم يحكم أي قضى ، وحكم له وحكم عليه . الأزهري : الحكم القضاء بالعدل ; قال النابغة :


                                                          واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت     إلى حمام سراع وارد الثمد



                                                          وحكى يعقوب عن الرواة أن معنى هذا البيت : كن حكيما كفتاة الحي أي إذا قلت فأصب كما أصابت هذه المرأة ، إذ نظرت إلى الحمام فأحصتها ولم تخطيء عددها ; قال : ويدلك على أن معنى احكم كن حكيما قول النمر بن تولب :


                                                          إذا أنت حاولت أن تحكما



                                                          يريد إذا أردت أن تكون حكيما فكن كذا ، وليس من الحكم في القضاء في شيء . والحاكم : منفذ الحكم ، والجمع حكام ، وهو الحكم . وحاكمه إلى الحكم : دعاه . وفي الحديث : وبك حاكمت أي رفعت الحكم إليك ولا حكم إلا لك ، وقيل : بك خاصمت في طلب الحكم وإبطال من نازعني في الدين ، وهي مفاعلة من الحكم . وحكموه بينهم : أمروه أن يحكم . ويقال حكمنا فلانا فيما بيننا أي أجزنا حكمه بيننا . وحكمه في الأمر فاحتكم : جاز فيه حكمه ، جاء فيه المطاوع على غير بابه والقياس فتحكم ، والاسم الأحكومة والحكومة ; قال :


                                                          ولمثل الذي جمعت لريب     الدهر يأبى حكومة المقتال



                                                          يعني لا ينفذ حكومة من يحتكم عليك من الأعداء ، ومعناه يأبى حكومة المحتكم عليك ، وهو المقتال ، فجعل المحتكم المقتال ، وهو المفتعل من القول حاجة منه إلى القافية ، ويقال : هو كلام مستعمل ، يقال : اقتل علي أي احتكم ، ويقال : حكمته في مالي إذا جعلت إليه الحكم فيه فاحتكم علي في ذلك . واحتكم فلان في مال فلان إذا جاز فيه حكمه ، والمحاكمة : المخاصمة إلى الحاكم ، واحتكموا إلى الحاكم وتحاكموا بمعنى . وقولهم في المثل : في بيته يؤتى الحكم ; [ ص: 187 ] الحكم ، بالتحريك : الحاكم ; وأنشد ابن بري :


                                                          أقادت بنو مروان قيسا دماءنا     وفي الله ، إن لم يحكموا ، حكم عدل



                                                          والحكمة : القضاة . والحكمة : المستهزئون . ويقال : حكمت فلانا أي أطلقت يده فيما شاء . وحاكمنا فلانا إلى الله أي دعوناه إلى حكم الله . والمحكم : الشاري . والمحكم : الذي يحكم في نفسه . قال الجوهري : والخوارج يسمون المحكمة لإنكارهم أمر الحكمين وقولهم : لا حكم إلا لله . قال ابن سيده : وتحكيم الحرورية قولهم لا حكم إلا لله ولا حكم إلا الله ، وكأن هذا على السلب ؛ لأنهم ينفون الحكم ; قال :


                                                          فكأني ، وما أزين منها     قعدي يزين التحكيما



                                                          وقيل : إنما بدء ذلك في أمر علي عليه السلام ، و معاوية . والحكمان : أبو موسى الأشعري ، و عمرو بن العاص . وفي الحديث : إن الجنة للمحكمين ، ويروى بفتح الكاف وكسرها ، فالفتح هم الذين يقعون في يد العدو فيخيرون بين الشرك والقتل فيختارون القتل ; قال الجوهري : هم قوم من أصحاب الأخدود فعل بهم ذلك ، حكموا وخيروا بين القتل والكفر ، فاختاروا الثبات على الإسلام مع القتل ، قال : وأما الكسر فهو المنصف من نفسه ; قال ابن الأثير : والأول الوجه ; ومنه حديث كعب : إن في الجنة دارا ، ووصفها ثم قال : لا ينزلها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو محكم في نفسه . ومحكم اليمامة : رجل قتله خالد بن الوليد يوم مسيلمة . والمحكم ، بفتح الكاف ، الذي في شعر طرفة إذ يقول :


                                                          ليت المحكم والموعوظ صوتكما     تحت التراب ، إذا ما الباطل انكشفا



                                                          هو الشيخ المجرب المنسوب إلى الحكمة . والحكمة : العدل : ورجل حكيم : عدل حكيم . وأحكم الأمر : أتقنه ، وأحكمته التجارب على المثل ، وهو من ذلك . ويقال للرجل إذا كان حكيما : قد أحكمته التجارب . والحكيم : المتقن للأمور ، واستعمل ثعلب هذا في فرج المرأة فقال : المكثفة من النساء المحكمة الفرج ، وهذا طريف جدا . الأزهري : وحكم الرجل يحكم حكما إذا بلغ النهاية في معناه مدحا لازما ; وقال مرقش :


                                                          يأتي الشباب الأقورين ولا     تغبط أخاك أن يقال حكم



                                                          أي بلغ النهاية في معناه . أبو عدنان : استحكم الرجل إذا تناهى عما يضره في دينه أو دنياه ; قال ذو الرمة :


                                                          لمستحكم جزل المروءة مؤمن     من القوم ، لا يهوى الكلام اللواغيا



                                                          وأحكمت الشيء فاستحكم : صار محكما . واحتكم الأمر واستحكم : وثق . الأزهري : وقوله تعالى : كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير فإن التفسير جاء : أحكمت آياته بالأمر والنهي والحلال والحرام ثم فصلت بالوعد والوعيد ، قال : والمعنى ، والله أعلم ، أن آياته أحكمت وفصلت بجميع ما يحتاج إليه من الدلالة على توحيد الله وتثبيت نبوة الأنبياء وشرائع الإسلام ، والدليل على ذلك قول الله - عز وجل : ما فرطنا في الكتاب من شيء وقال بعضهم في قول الله - تعالى : الر تلك آيات الكتاب الحكيم إنه فعيل بمعنى مفعل ، واستدل بقوله - عز وجل : الر كتاب أحكمت آياته قال الأزهري : وهذا - إن شاء الله - كما قيل ، والقرآن يوضح بعضه بعضا ، قال : وإنما جوزنا ذلك وصوبناه لأن حكمت يكون بمعنى أحكمت فرد إلى الأصل ، والله أعلم . وحكم الشيء وأحكمه ، كلاهما : منعه من الفساد . قال الأزهري : وروينا عن إبراهيم النخعي أنه قال : حكم اليتيم كما تحكم ولدك أي امنعه من الفساد وأصلحه كما تصلح ولدك وكما تمنعه من الفساد ، قال : وكل من منعته من شيء فقد حكمته وأحكمته ، قال : ونرى أن حكمة الدابة سميت بهذا المعنى ؛ لأنها تمنع الدابة من كثير من الجهل . وروى شمر عن أبي سعيد الضرير أنه قال في قول النخعي : حكم اليتيم كما تحكم ولدك ; معناه حكمه في ماله وملكه إذا صلح كما تحكم ولدك في ملكه ، ولا يكون حكم بمعنى أحكم ؛ لأنهما ضدان ; قال الأزهري : وقول أبي سعيد الضرير ليس بالمرضي ، ابن الأعرابي : حكم فلان عن الأمر والشيء أي رجع ، وأحكمته أنا أي رجعته ، وأحكمه هو عنه رجعه ; قال جرير :


                                                          أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم     إني أخاف عليكم أن أغضبا !



                                                          أي ردوهم وكفوهم وامنعوهم من التعرض لي . قال الأزهري : جعل ابن الأعرابي حكم لازما كما ترى ، كما يقال رجعته فرجع ونقصته فنقص ، قال : وما سمعت حكم بمعنى رجع لغير ابن الأعرابي ، قال : وهو الثقة المأمون . وحكم الرجل وحكمه وأحكمه : منعه مما يريد . وفي حديث ابن عباس : كان الرجل يرث امرأة ذات قرابة فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها ، فأحكم الله عن ذلك ونهى عنه أي منع منه . يقال : أحكمت فلانا أي منعته ، وبه سمي الحاكم ؛ لأنه يمنع الظالم ، وقيل : هو من : حكمت الفرس وأحكمته وحكمته إذا قدعته وكففته . وحكمت السفيه وأحكمته إذا أخذت على يده ; ومنه قول جرير :


                                                          أبني حنيفة ، أحكموا سفهاءكم



                                                          وحكمة اللجام : ما أحاط بحنكي الدابة ، وفي الصحاح : بالحنك ، وفيها العذاران ، سميت بذلك لأنها تمنعه من الجري الشديد ، مشتق من ذلك ، وجمعه حكم . وفي الحديث : وأنا آخذ بحكمة فرسه أي بلجامه . وفي الحديث : ( ما من آدمي إلا وفي رأسه حكمة ) وفي رواية : ( في رأس كل عبد حكمة إذا هم بسيئة ، فإن شاء الله - تعالى - أن يقدعه بها قدعه ) والحكمة : حديدة في اللجام تكون على أنف الفرس وحنكه تمنعه عن مخالفة راكبه ، ولما كانت الحكمة تأخذ بفم الدابة وكان الحنك متصلا بالرأس جعلها تمنع من هي في رأسه كما تمنع [ ص: 188 ] الحكمة الدابة . وحكم الفرس حكما وأحكمه بالحكمة : جعل للجامه حكمة ، وكانت العرب تتخذها من القد والأبق لأن قصدهم الشجاعة لا الزينة ; قال زهير :


                                                          القائد الخيل منكوبا دوائرها     قد أحكمت حكمات القد والأبقا



                                                          يريد : قد أحكمت بحكمات القد وبحكمات الأبق ، فحذف الحكمات وأقام الأبق مكانها ; ويروى :


                                                          محكومة حكمات القد والأبقا



                                                          على اللغتين جميعا ; قال أبو الحسن : عدى قد أحكمت لأن فيه معنى قلدت وقلدت متعدية إلى مفعولين . الأزهري : وفرس محكومة في رأسها حكمة ; وأنشد :


                                                          محكومة حكمات القد والأبقا



                                                          وقد رواه غيره : قد أحكمت ، قال : هذا يدل على جواز حكمت الفرس وأحكمته بمعنى واحد . ابن شميل : الحكمة حلقة تكون في فم الفرس . وحكمة الإنسان : مقدم وجهه . ورفع الله حكمته أي رأسه وشأنه . وفي حديث عمر : إن العبد إذا تواضع رفع الله حكمته أي قدره ومنزلته . يقال : له عندنا حكمة أي قدر ، وفلان عالي الحكمة ، وقيل : الحكمة من الإنسان أسفل وجهه ، مستعار من موضع حكمة اللجام ، ورفعها كناية عن الإعزاز ؛ لأن من صفة الذليل تنكيس رأسه . وحكمة الضائنة : ذقنها . الأزهري : وفي الحديث : في أرش الجراحات الحكومة ; ومعنى الحكومة في أرش الجراحات التي ليس فيها دية معلومة : أن يجرح الإنسان في موضع في بدنه مما يبقي شينه ولا يبطل العضو ، فيقتاس الحاكم أرشه بأن يقول : هذا المجروح لو كان عبدا غير مشين هذا الشين بهذه الجراحة كانت قيمته ألف درهم ، وهو مع هذا الشين قيمته تسعمائة درهم فقد نقصه الشين عشر قيمته ، فيجب على الجارح عشر ديته في الحر لأن المجروح حر ، وهذا وما أشبهه بمعنى الحكومة التي يستعملها الفقهاء في أرش الجراحات ، فاعلمه . وقد سموا حكما وحكيما وحكيما وحكاما وحكمان . وحكم : أبو حي من اليمن . وفي الحديث : ( شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي حتى حكم وحاء ) وهما قبيلتان جافيتان من وراء رمل يبرين .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية